السبت، 7 مايو 2011

أنسنة الإنسان

أنسنة الإنسان

لم يكن بالحسبان ذلك اليوم الذي سأتمنى فيه أن يعود الإنسان لطبيعته الإنسانية بعد أن فقدها أو تجرد منها ، حتى أصبح (كائناً) ولن أمضي بعيداً لأنعته بـ (الشيء) فهو يأكل و يشرب و يتنفس أي أنه مازال يتمتع بسمات الكائنات الحية! ، و لو مضيت لنعتِه مجازاً بالشيء فليس هذا من الظلم في شيء فالله أعدل العادلين نعت قلوب طائفة من الناس بأنها (كالحجارة أو أشد قسوة).
فما عاد الإنسان في سلوكه و ممارساته إنساناً ، فلم نعد نشعر بمقوماته البشرية الفطرية التي تظهرُ إخاءً و شفقة و إيثاراً و إنصافاً للنفس و الآخرين و غير ذلك من ملامح النفس الإنسانية التي فطر الله عليها الإنسان و جاءت الأديان السماوية لترسيخها بل حتى الأنظمة الوضعية كذلك لا يمكن أن تقر بما يخالف تلك القيم و المقومات و الملامح بشكل صريح لأن هذه الانظمة حيئذ ستكون محل رفض إلا أنها قد تسن قانوناً يسوغ ما هو مضاد لها ، فالنظام الرأسمالي مثلاً لا يمكن أن يقر بشكلٍ مباشر بالجشع كقيمة مباحة إلا أنه كمضمون و ممارسة ينحاز لأصحاب رؤوس الأموال على حساب الطبقات المتوسطة و الكادحة.
و نحن كذلك كأفراد في مجتمع مسلم لا يمكننا القول بأن المصلحة و الإنحياز للرأي و فرض الذات أموراً ضرورية في خضم الحياة المتسارعة إلا أن الكثير ينطلق منها لممارسة حياته ، فلقد باتت المصالح تحكم العلاقات الاجتماعية بعد أن كانت الإخاء و المودة و الاحترام هي الحاكمة ، و بات إطلاق الحكم على الأشخاص و الأحداث ينطلق من الهوى و الرأي الشخصي و (الفزعة) للقريب بعد أن كان الإنصاف هو المُنطلق ، و بات فرض الذات هو الذي يبعث على العطاء بعد أن كان الطموح هو الباعث، و غير ذلك كثير.
إن هذا لا يؤثر على متانة و انسجام مجتمع ما فحسب بل على نظرتنا لذلك المجتمع و لكل الأشياء و الأشخاص في العالم.
فعلى سبيل المثال لم تعد كثير من وسائل الإعلام العربية تتعاطى مع الأحداث بشكلٍ مهني و موضوعي نتيجة لخلفيات معينة توجه القائمين عليها حتى أن شريحة كبيرة من أبناء المجتمعات العربية أصبحت تستقي الأخبار من المحطات الأوربية بحثاً عن الحقيقة.
فلقد أصبحت الملامح و المقومات الإنسانية بضاعة كاسدة في عالم المادة و المصلحة لذا بدأ الإنسان ينسلخ منها بل و يتنكر لها و يرى فيها سذاجة أو مثالية لا تتفق و الواقع المعاش .
ما أدعو إليه ليس الأنسنة بمفهومها الفكري الذي يدعو لتغليب النزعة الإنسانية كما أنها ليست الأنسنة الأدبية بالتأكيد ، إنما هي دعوة للحفاظ على البقايا الإنسانية داخلنا و إعادة الطبيعة الإنسانية السوية بعد أن تجرد منها صاحبها و ارتدى قناع المصلحة و المادة و الأنا و ما تريده هذه الأنا .

لنقيّم أنفسنا بعد كل موقف نمر به و نتساءل : هل كنت في ذاك الموقف كائناً أم إنساناً؟!

ملاك الخالدي