الاثنين، 30 أغسطس 2010

و كنتُ العطشى

بسم الله الرحمن الرحيم

و كنتُ العطشى



و أتيتَ بعد انتظارٍ و نأي
حينَ استطالَ اشتياقي كنتُ على يقين ..
فأنتَ أنتْ
لا تبخلُ و لا تجفلُ ، لذا أجبتَ الحنين ..
فأتيتْ !
أتيتَ ..
تمطرني رحيقكَ الدافئ
بعد أن اعـْـتصَرَتـْني مواسم الحيفِ
و لفظتني الأيامُ حروفاً ثكلى
و تحدٍ و انكساراتٍ
فكنتُ العطشى !
***
أتيتَ لتسربلني بالضوء
تمسحُ الحيرةَ عن مُحياي
تنتزعُ أناملي الصغيرة
تدحجني بعينيكَ النورانيتين
تحتفي بقصائدي الكسيرة
تصرفني إلى السماءِ
في خلواتِ الليلِ بعيداً عن زفراتهم!
***
لوحدي .. لوحدي
و أنت تسكنني .. تُشعلُ خلاياي
فتطفرُ دموعي بين يدي ربٍ رحيم .
تندلقُ و تندلقْ ..
بقلبٍ مرتعش و جوارحَ خاضعة ..
أسمو بضعفي في رحابهِ
فأتركها تندلقُ
لتمسحَ سحنةَ الدموعِ الخالية ..
فهما يتمايزان
كفاصلة المسافات و المسافات الفاصلة !
***
أيْ رمضان ..
أشعلتَ فتيلَ الشعورِ صادقاً
فغدوتُ عصفوراً
يغتسلُ بضوءِ اللهِ
كل ذاتِ وجع ..
يتنفسُ البياضَ
يهرقُ أغانيهِ حينَ يلتهمهُ الصباح.
***
ما أجملكَ أيها المبثوثُ في ذراتِ الكونِ
و أنتَ تغرقني ببهائك و روحانيتك حتى أنتشي !
عشقتُ نهاراتكَ و الليالي
أتبتلُ و أبتهلُ
أتزودُ من حنانكَ و فيوضاتكَ الغدِقة
لأداوي تصدّعات الزمنِ
و أواصلَ الرفيفَ
في فضاءات الغربةِ و الجمال ..
***
فلا تمضِ ..
و قد امتزجتُ بخيوط إشراقكَ
و خالطتْ أنفاسُكَ شراييني
فما عدتُ أستطيقُ ثوانٍ دونكَ ..

ابقَ هنا دوماً ..
و امضِ في تفاصيلنا الجرداء
ألهمها خفقان الحياةِ
ابتكر في خلاياها التواقانَ لله
و بثـّها هينماتِ الرضا و الفأل
ابقَ هنا .. و لا تغادر
فأطيافُ العمرِ ستكبُرُ شاحبةً إن اقترفتَ الرحيل !

ملاك الخالدي



الخميس، 26 أغسطس 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملاتٌ في آيات


و تأخذنا لوثة الدنيا إلى مساحاتٍ مأهولة بالجفاف ، تحجبُ قلوبنا عن تأمل آيات الله فنعيشُ بلا خفقانٍ أو توقان ..
متى نقف بصدق و خشوع ، نرسلُ أرواحنا إلى حيثُ يرتوي القلب و العقل ، فيعيشان إيماناً عميقاً يقويان به على صروف الدنيا و يواصلان النهل ، و هذه بعض تأملاتي القاصرات أسرجها دعوةً للتفكر و أن يكون لنا فيما نقرأُ وقفات ..

( و أنبتها نباتاً حسناً و كفـّلها زكريا) الآية 37 ، سورة آل عمران.
توقفتُ مليـّا و أنا أتساءل لمَ جاءت "كفـّلها" بتشديد الفاء و لم تكن "كفـِلها" ، و كلاهما يدلان على كفالة زكريا لمريم ، إلا أن الأولى بمعنى كفّلها ربها زكريا ، أي ألزم زكريا بذلك و يسره له و أعانهُ عليه ..
إذن فقد أسند الله إليه كفالة مريم و لم يسندها لزكريا بنزع التشديد ، تكريماً لشأنها و رعايةً لها و رفقاً بها عليها السلام .
بل إن في الأمر بُعدٌ مستقبليٌّ ففيه شدٌ من أزرِها و تثبيتٌ و طمأنةٌ لقلبها حين تخرجُ بعد حينٍ من محرابها تتوارى عن أعين الناسِ و مشاعرُ الخوفِ و الأسى و الضعف و ألم المخاضِ تتنازعها ، فتتذكر أنها في كفالة و عناية ربها لتقر عينها ، إنها الكفالة الإلهية التي لا تنفد و لا تـُـفقد .
و لم يقل سبحانهُ و تعالى (أكفلها) بل (كفّلها) مع أنهما مترادفتان و يؤديان معنىً واحداً ، فالتشديد في اللغة يوحي بمبالغة ، و لعل الله أتى به هنا إشارةً لشدة الاعتناء و المبالغة في رعاية تلك الفتاة اليتيمة المنذورة لخدمة بيته و القائمة في محرابها معتزلةً طيوف الدنيا ..
إنها رحمة ربنا السنية و مكانةُ مريم العلية مبثوثة في كلٍ حرفٍ نبصره إلا أن البصيرة المُغيبة تُفقدنا القدرة على استشعار ذلك .

(إني مهاجرٌ إلى ربي) آية 26 ، سورة العنكبوت.
قيل في التفاسير إنها جاءت على لسان لوط و قيل بل إبراهيم ، و قيل إنها هجرة مكانية و قيل بل روحية ، و في الحقيقة لا فرق يُذكر فكلاهما نبي و كلتا الهجرتين فرارٌ إلى الله !
و يذكر نبي الله أنه (مهاجرٌ) ربما إشارةً لشدةِ ما لاقاه وعظمِ من أقبل إليه و ابتغاه ، و لم يقل (ذاهب) أو (مسافر) ، فالهجرة كما أفهمها هي انتقال من مكانٍ يغلبهُ الحيف أو الفقر أو الشر أو الكفر إلى مكانٍ أجدى و أرجى بنية الاستقرار ، و الذهابُ و السفر لا يقتضيان ذلك ..
فحين شعر نبيُ الله عيسى بالخذلان صدعَ باحثاً عن أنصار ، و حين رأى لوط فساد و عصيان قومه قرر الفرار ، تشابهت الأحداث و اختلفت القرارات ، إلا أنها كانت لله و وفقاً للحال و مقتضاه .
و يهاجر لوط إلى رضا ربه ، تائقاً إليه ، راجياً تثبيته بما منّ عليه ..
و تتكاثر الضوضاء و الغوغاء حولنا و يتلوث الفضاء بسحنة الأرض ، و نُركسُ أرواحنا و نُدنفها بأغبرة الدنيا ، فأين نحنُ من هجرة الأرواح و القلوب ؟!
و أين نحنُ من اللجوء إلى الله إن مسّنا زيغٌ أو لغوب؟!
و لماذا تنتزعنا الدنيا فتغرقنا ، تورثنا ضعفاً و تسلبنا القرار ، فنتخبط تائهين في لججها ..

(و أصبحَ فؤادُ أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) آية 10 ، سورة القصص.
حين فقدت أم موسى عزيزها استحال فؤادها نبضاً فارغاً سوى من ذِكرِ موسى و الحنينِ إليه فكادتْ أن تصرخ باسمه أمامهم لولا تثبيت الله لها ..
ذلك و هي أم نبي و حلـّت عليها منحة إلهية منحتها الصبر فكيف بنا نحن البشر العاديين حين نفقد أو نحبس أرواحنا عن روحٍ أو شيءٍ أثيرٍ فيها عزيزٍ عليها؟
كيف للبيانِ و الجنان أن ينصرفا عما مازجهما راغِمَين؟!
تالله إنه جهادٌ في طريق المكابدة البشرية ، و من هنا يجيء فضل الصبر و عظيم ثوابه و نحن في شهر الصبر و الشكر ، و لنا أن نستحضر ذلك الفضل و الثواب حينَ يصبحُ فؤادُ أيّ منّا فارغاً!

(إنهُ أواب) آية 44 ، سورة ص.
(أواب) و مازلتُ في فضاءات تأمل هذه الصفة الجليلة التي خلعها الله على عبديه (داوود) و (أيوب) عليهما السلام .
و من المفارقات الجديرة بالنظر اختلافُ حاليّ (داوود) و (أيوب) ، فالأول ملكٌ سُخّرتْ له الجبال و الطير و أوتى ملكاً عظيما ، و الآخرُ عاشَ مبتلاً بالمرض و الفقر و الفقد !
فلم ينس الأول شكر ربه و الإنابة إليه ، فلم يُغفلهُ النعيم عن الرحيم ، و لم يُطغه المُلك ليُسلمهُ إلى الجحود .
و لم يفتأ الآخرُ بالله ارتباطاً فلم تورثهُ المصائبُ كفراناً و سخطا .
فكان كلاهما أواباً رجّاعاً إلى ربه ، أي كثير الرجوعِ إلى الله.
أخطأ داوود فخرّ خاضعاً عائداً لربه ، و أنهكت البلايا أيوب فرجعَ إلى الله يرجوه و يدعوه فكانت الرحمة ..
و كثيراً ما تأخذنا أمواج الدنيا ، تلوكنا المُلمّاتُ و الذنوب ، يغرقنا هوى النفس و ميل القلوب ، فنخطئ أو نفقدُ طريقَ الرجوع ..
و في طريق الحياة يعتري الإنسانُ المرض و الهوى و الفقد و الفتنة و الخطأ ، و تبقى خفقات الوعي تسكننا لتعيدنا إلى الله ، نتشبثُ بها ، نحاول ذلك جاهدين ، نغفلُ عنها حيناً ، ثم نعود فنتصبرُ و نتصبر ، لعل الله يحدثُ بعد ذلك أمرا أو يمنحنا من لدنهُ صبرا.

ملاك الخالدي

الاثنين، 16 أغسطس 2010

فأينَ أنتَ أبا يارا ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

و رحلَ غازي القصيبي .. !
رحل بعد أن أفاضنا بكتبهِ العابقة بالدهشة و البهاء ..
اقرءوا ديوانه (حديقة الغروب ) أو رقيمه الباكي (يا فدى ناظريك ) الذي أسرجه ناعياً الشهيد محمد الدرة ، فهو من لامس جراحنا و آمالنا
، هو الذي صدَع بالحق ذات صمتٍ مريب ، هو الذي زهد بالمباهج فتواضع و عن الضعفاءِ ترافع ، هو الذي رفد الأدب فما بخل أو كسل أو جفل ، إلى أن أناخَ راحلتهُ بعيداً فانثال يقول : (أُغالبُ الآلام مهما طغت .. بحسبي الله و نعم الوكيل ) فرحم الله أبا يارا ..
(فأين أنتَ أبا يارا؟!) هذا ما اجترحتهُ بحق الفقيد ، تفضلوا:

فأينَ أنتَ أبا يارا ؟!


رحلتَ تحملُ في أعطــافـــكَ الأدبا
بعد الفيوضاتِ نجلُ الضوء قد غربا

رحلتَ فالدمعُ و الأشعارُ تســألـُـنـــي
عن دهشة الحرفِ في أسفـارِ من ذهبا

رحلتَ فسّـاقطــتْ أوجــــاعُ قافـيـتي
على شغــــافي فعفتُ الليلَ و الكُـتـبـا

كم جالَ عقلي بأطيافِ الرؤى شغفاً
و صار ينهالُ في أفــيــائهِ سَـغــبـــا

فما ارتوى خافقي من سحرِ منهلهِ
و ما انكفى الروحُ عن أوتارهِ طلبا

قلّبتُ طرفي و لونُ الحزنِ يرسمُني
و في اغترابي أرى منْ دمعهِ سببا

قــرأتـــهُ فمضى حـــرفي ليذرفــهُ
لكنما البوحُ من أحزانـــهِ تعِـــبــــا

(أبا الفراتِ)* (أميرُ الفُلِ)** عسجَدَها
تنعى ، فمن سوف ينعى فارساً وثبا؟!

(آياتُ)*** و الحقُ و الشهداءُ و المسرى
بكيتهم ، من سيبكي الحقَ والعربا ؟!

مازلتُ أذكـــرُ ما جادتْ قرائحُـــهُ
شعراً و نثراً و ما أثرى به الحُـقـبا

مازالَ مــــازالَ مازالتْ بشارتُـــهُ
تضيءُ حزنَ الفيافي تمسحُ النصبا

و تملأُ الفجــرَ أبياتاً تنـــوءُ بهـــا
مفاتنُ الكونِ حتى تنتشي طـــربا

فأينَ أنتَ أبــــا يارا تشاطـــرُنـــا
رهافةَ الحرفِ والأرزاءَ والغضبا

فأين غازي أديبٌ باسمٌ زهـــدتْ
طيوفُ دنياهُ عما كان أو كسِبا !

فـــأيــنَ أنــت أبا يارا إذا سـألـتْ
عنكَ الزوايا وناحتْ تشتكي الوصبا

فأيــنَ أنــــتَ أبا يارا إذا انكـفــأتْ
ترنيمتي و دجى الأحزانِ إذ وقبا

ماذا سأسقي زهور الصبحِ حين أرى
دموعها هل سأسقيها دماً شحـُبا؟!

بل سوف أحتارُ ما أزجي لطلعتِها
فما اجترحتَ بديعاً حيّر النُجــبــا

من بحر أندائك الزّخارِ تمنحُـنــا
إشعاعَ فكرٍ و من قيعانكَ الذهــبا

فأنتَ أنتَ هنا في كـــل قافــيـــةٍ
و كلَّ نبضٍ يراعٌ عزّ ما نضـبــا

*(أبا الفرات) قصيدة للراحل غازي رثى فيها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
**(أمير الفل) قصيدة للراحل غازي رثى فيها نزار قبّاني.
*** (آيات) إشارة لقصيدته التي رثى فيها الاستشهادية الفلسطينية آيات الأخرس.




ملاك الخالدي

الأحد، 15 أغسطس 2010

رمضان كريم

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان كريم


و ها قد أتى شهر الخير و البركات ، أتى ليحملنا من حضيض الدنيا إلى سماوات البياض و الخير و الفأل ، أتى ليرتقي بقلوبنا و أرواحنا و عقولنا و أجسادنا من زيف الدنيا و انحسارها إلى رحابة رحاب الله ..
فلنستفد من كل لحظة فإن تصرّمت فلا ندري أ نعود لمثلها في العام القادم أم لا ؟!
ربنا أفرغ علينا رحمتك و عفوك و فيوضاتك و اجعلنا من عبادك الصالحين ، ربنا اكشف عنا الضر فأنت أرحم الراحمين.
كل عام و نحن أنقى و أرقى ..