بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الذي لا يضرُ مع اسمه شيءٌ في السماوات و الأرض و هو السميعُ البصير ، ربنا عليكَ توكلتُ و إليكَ أُنيب ..
الطريق إلى الجنادرية !
تمضي الأيام ، و لا نستطيعُ اقتراف ذنب النسيان بحق لحظاتٍ فريدة تواشجت مع أرواحنا فمنحتها رونقاً مختلفاً جداً ، و بعد ما يقارب الشهر من عودتي من الجنادرية ، ها أنا و في إجازة الربيع أجدُ وقتاً لأجترح شيئاً مما وجدتهُ هناك ! ، و بحقٍ أقول عدتُ و لم تسعني اللغة كي أعبّر عن شعوري العارم إلا بقولي : الحياة مدرسةٌ و نحنُ تلاميذها!
عدتُ و قد امتلأتُ بأطيافِ تجربةٍ أثرتني سيكولوجياً و جعلتني أقرب عن أي وقتٍ مضى لطبائع النفوس ..
هناك التقيتُ جمعاً غير قليل من أديباتٍ و مثقفاتٍ و إعلاميات و شاباتٍ متطوعات في اللجنة النسائية للمهرجان ، كنتُ سعيدة حقاً بكل تلك الأرواح على اختلافها .
فلنبدأ السفر :
لم أعلم أنني سأكون في رحاب الجنادرية إلا قبل السفر بيومٍ واحد! ، و في ذلك اليوم كنتُ على موعدٍ مع صديقتي الأثيرة إلى نفسي (شذا المفرج) بالتعاون مع الرائعة (شذا الضويحي) فلقد أعدّتا لي حفلاً بمناسبة صدور ديواني الأول ، ما أسعدني بشذا و شذا ! و بالأخوات الحاضرات جميعاً ، و أي حرفٍ سيبدو أقل من قدركن يا صديقات القلب و إليكم (تورتة الحفل) :
حينَ عدتُ إلى المنزل ليلاً أسرعتُ إلى غرفتي لألملم أشيائي في حقيبتي فغداً في أول الصباح الباكر ستمضي بي و أخي الطائرة إلى الرياض المضيء ..
لم أشعر بالارتياح إلا حينَ جلستُ و شقيقي في صالة المطار أنتظرُ الرحلة ، حينها تبخرَ كل إرهاقٍ و قلق !
استقبلونا في المطار استقبال الكرماء و أودعونا فندق (قصر الرياض) ، كانت نفسي تتوقُ بشوقٍ لمعرفة أجندة المهرجان فلم يخطر ببالي بأنني سأحضره هذه السنة لذا لم أكن على علمٍ كافٍ بأنشطة المهرجان ، هاتفتُ الأستاذة المسئولة عن الضيفات و وعدتني بإرسال منشورات حول الأنشطة الثقافية النسائية للمهرجان .
و كعادة ملاك ! لم أنتظر طويلاً و سبرتُ حاسوبي فلم يبخل عليّ السيد جوجل بموقع المهرجان و انثالت أمامي أنشطة المهرجان الثقافية و الفكرية ، إذن اليوم الخميس سيرعى صاحب السمو الملكي الأمير : متعب بن عبدالله آل سعود _حفظهُ الله_ حفل افتتاح الأنشطة الثقافية في قاعة الملك فيصل !
(1)
بعد صلاة المغرب توجهنا لمقر الحفل ، نزلتُ أنا في القاعة النسائية و ذهب أخي لقاعة الرجال ..
يا الله ... المكان خالٍ سوى من امرأة واحدة ، هذه المرأة كانت صاحبة الروح الشفافة الدكتورة إقبال العرفج إحدى مسئولات اللجنة النسائية للمهرجان ، لم يحضر الحفل سوى سبع نساء تقريباً ، و لعلي أضعُ عذراً هنا لعدم تواجد الضيفات و ذلك لعدم وصول البعض منهن إلى الرياض و لعدم معرفة الموجودات عن الحفل ، فهو ضمن الأنشطة العامة و ليست النسائية لذا لم يكن مذكوراً في منشورة الأنشطة النسائية التي وُزّعت على الضيفات ..
بعد انقضائه جلستُ في لقاءٍ جميلٍ مع الدكتورة إقبال و ثلاث إعلاميات من بينهن الرائعة ميسون أبو بكر ، بعدها كانت ندوة عن الشخصية المكرمة و هو العلامة عبدالله بن إدريس، لم أتمكن من حضورها كلها فلقد كان أخي متعباً ، و كنتُ مستحضرةً عناء السفر فعدنا إلى الفندق بانتظارِ يومٍ جديد .
(2)
نهار يوم الجمعة لم يكن هناك أي نشاط ، لذا ذهبتُ و أخي لمكتبة جرير لشراء بعض الكتب و بعد المغرب كانت الندوة الكبرى ، التي ستبقى معي لزمنٍ طويل ! ، ندوة (القيم الإنسانية المشتركة أساساً لتعايش الشعوب و حوار الحضارات ) و كانت لمجموعة من المفكرين الكبار على رأسهم العلامة : عبدالله بن بيه من موريتانيا ، حميدة النيفر من تونس ، عطاء الله مهاجراني من إيران ، خليل جهشان من أمريكا و آخرين ، و بالطبع كان الحضور في قاعة الرجال عريضاً و على أعلى المستويات و لم تحضر من النساء سوى أقل القليل ، و كنتُ في أسفٍ لخواء القاعة النسائية ..
بحق استفدتُ جداً من الندوة و دوّنتُ الكثير من النقاط المهمة التي فتحت منافذ الفكر لدي ، و لازلتُ أذكر تلكم الجملة المؤثرة التي بدأ بها العلامة بن بيه : ( ما بالُ الإنسان أصبح يضيقُ ذرعاً بأخيه الإنسان) ! ..
(3)
ثالث الأيام عقدت لنا اللجنة النسائية لقاءً تعريفياً مع منسوبات اللجنة و الأخوات الضيفات من داخل و خارج المملكة ، قامت كل واحدة بتعريف نفسها ، و بعد أن عرّفتُ بنفسي وقفتُ و ألقيتُ قصيدة عن الرياض المضيء كنتُ قد نظمتها فور وصولي و إليكم القصيدة :
جئنا و صوتُ بهائها يترددُ ... ضوءاً و مطلعُ حسنها يتوقدُ
جئنا و حادي القلبِ نفحُ عبيرها ... و سماؤها للآبقين تغردُ
جئنا و نبضُ قلوبنا متأهبٌ ... نحو العناقِ و شوقنا متوردُ
جئنا إليكِ يا رياضُ يزفنا ... شوقُ اللقاءِ و بسمةٌ تتجددُ
فعلى رباكِ أشرقتْ آمالـُنا .... و أرى شعاعَ حضارةٍ يتفردُ
أنتِ سماءُ حضارةٍ و عراقةٍ .... كل النفوسِ إلى رحابكِ توردُ
يا طلعة الصبحِ الشفيفِ خذي دمي .... شوقاً و زفي شهقةً تتمردُ
و خذي اشتعالات الأريج بخافقي .... بوحاً فإن لهيبَ نبضي مُجهدُ
هيا اسكبيهِ على مفاتن جيدها ... فأنا و ربي في الغرامِ مُقيـّـدُ
مهلاً رياضَ الحبِ جئتُ متيماً ... أشدو و يشدو في عروقي الموعدُ
ما جئتُ إلا و الحنانُ يضمني ... و شذى المحبةِ في ثراكِ يرقدُ
ما جئتُ إلا و البياض يحفّني ... لله أنتِ للسماحةِ محتدُ
بالطبع تعرفتُ على الأخوات و كنتُ مبتهجة بهن حد السماء !
مساءً اتجهنا بالحافلة (نحن الضيفات) إلى مقر الحفل النسائي ، حيثُ كان على شرف و بحضور الأميرة : حصة بنت طراد الشعلان ، حرم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، و قد كان الحفلُ خاصاً للمدعوات من إعلاميات و أكاديميات و نحن الضيفات ، و هنا أسجل إعجابي بكلمة الدكتورة : هند الخثيلة حين أطلقتْ مشاعرها في عقد وفاءٍ نثري فريد بعنوان (أنثى .. في حضرة الوطن) ..
و استمتعنا بالأوبريت الذي كان من كلمات الزميلة الشاعرة : لمياء العقيل ، (و كنتُ قد التقيتُ بها مُسبقاً قبل هذه المرة فلقد كانت إحدى الزميلات الفائزات في مسابقة الوطن في عيون الشعر) .
و يجب أن لا أنسى المربية الفاضلة : جواهر العبدالعال ، رئيسة اللجنة الثقافية النسائية و جهودها لإنجاح الحفل ..
الأمسية اليتيمة:
بعد الحفل خـَلت القاعة سوى من نساء معدودات على الأصابع ! ، و قد بدأت الأمسية الشعرية و القاعة شبه خاوية ، كانت أمسية رائعة بحق أحيتها الشاعرة الأردنية الكبيرة: نبيلة الخطيب ، و الشاعرة الصديقة الرقيقة: نادية البوشي ، و الشاعرة زميلتي في شبكة رواء الأدبية : خالدة باجنيد ، و أدارتها الأستاذة: هيفاء القحطاني من جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن ، شكراً للشاعرات الجميلات على إصرارهن على البوح رغم تصحر المكان من الأرواح !
(4)
الأحد كان لابد أن نعود للجوف و لكن الرحلات و ما أدراك ما الرحلات حالت دون ذلك ، و لعل في الأمر خير فلقد حضرنا الندوة (العملاقة) التي كانت تحت عنوان (السلفية .. المفهوم ، المراحل و التحولات) و التي كانت على جلستين طوال خمس ساعات ، ترأس الندوة الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان (عضو هيئة كبار العلماء) و أداراها الدكتور: عبدالرحمن الزنيدي (الأستاذ المشارك بجامعة الإمام) ، و حضرها حشد كبير من العلماء و الأكاديميين و المثقفين و كالعادة كانت القاعة النسائية خاوية على عروشها !
أبرز المفكرين في تلك الندوة : د. صالح بن حميد ، د. رضوان السيد ، أ. محمد حسن الأمين ، د.عبد الله البريدي ، أ. هاني فحص ، د.عصام البشير و غيرهم .
و عند الرحيل:
كان بودي لوبقينا هناك حتى آخر يوم لأحضر جميع الندوات ! ، لكن كان ثمة ما يدعونا لأن نعود إلى الجوف ، هنا .. لا أريد التحدث عن حكاية العودة و ما حدث في المطار و تأجيل الرحلة ، لأنني لا أريد أن أفسد الذكريات الجميلة التي قضيتها هناك ! ، المهم .. و بعد ليلة طويلة و صباحٍ شاق في المطار تمكنّا من دخول الطائرة للعودة إلى الجوف ، وصلنا الجوف ظهر الاثنين و غرقتُ في نومٍ طويل !
هكذا باختصار قضيتُ أربعة أيامٍ حافلة ، حمداً لله على أن يسر لي الذهاب و أكرمني به ، شكراً لرئاسة المهرجان على استضافتهم لنا و كرمهم معنا ، شكراً لهم على الأنشطة الأكثر من رائعة ، شكراً لأخي العزيز ، شكراً لكل القلوب النقية ..