الخميس، 24 نوفمبر 2011

أيها العام الراحل .. !

لا يمكنك أيها العام أن تغادر الذواكر* العربية المهيضة دون أن تشي لها بشيء من قصائد الأمل العتيقة و بعض دموعٍ و كثير من الأمنيات .
لا يمكنك أيها العام أن تغادر أرواحنا دون أن ترفدها أو تنتزع منها خيطاً جديداً يرسم ملامح جديدة و نبضاً جديداً و أشياء أخرى لا نعلمها!
لذا أجدك لم تغادرني حتى انثالت حروفي رغم صمتي الذي شرعت به و انتويته حتى حين !

لم أكن أدري أيها العام أن نفوس الناس هي ما يؤثر في حياتهم لا أفهامهم، فالأمر واحد إلا أن كل نفس تقرأه حسبما تشتهي بغض النظر عن رجاحة العقل أو ضحالته، و كم من نفسٍ صغيرة تفسدُ عقلاً وارفاً و كم من نفسٍ وارفة يفسدها عقل صغير !

لم أكن أدري أيها العام أن الإنسان يجب أن يعتاد الصمت كما تعلم الكلام ! و أن الأرواح و الأفكار و حتى الأمكنة ستكفر بنا إن لم نؤمن بها فإن لم نقل لها سمعاً فلنصمت في الأقل و هذا أضعف التبيان.

لم أكن أدري أيها العام أن مجرد إيماننا بوجود الله يكفي لأن نعيش سعداء فكل أحزاننا و مكابداتنا و تفاصيل لحظاتنا التي ترسمنا و نلونها سيحفظها الله لنا وسيأتي التعويض!
كفران هذه الفكرة أو نسيانها يعني انتهاء كل شيء فور انتهائه المحسوس بينما استحضارها يعني استمرار الأمل فلماذا لا نمسك بهذا الحبل الثمين ؟!

لم أكن أدري أن التثبيط هو نفسه التحفيز لكن بصيغة مؤلمة قد يحرضك على مزيد من الإرادة و الإبداع إن كنتَ أجمل روحاً وعقلاً ، يوماً قيل للإمام للذهبي "إن خطك كخط المحدّثين" و قال أحد معلمي الراحل عبد الوهاب المسيري له : "أنت عبقري" ، فأصبح الأول محدّثاً وألّف أكثر من ستٍ وثلاثين مجلداً في علم الجرح والتعديل بسبب ثناءٍ على خط، وأصبح الثاني مفكراً و ألّف موسوعته الشهيرة بسبب كلمة ، أما اليوم فلن تسمع إلا : اترك (خرابيطك) أو يكفي (فلسفة زايدة) أو شيئا من هذا !
فمن لا يثني على فكرة فليحذر من أن يكسر قلماً أو صوتاً!

و لم أكن أدري أيها العام أن الصور التي تغيب عنا تكبر داخلنا أكثر و أن ما نريد نسيانه يتشبث بنا أكثر ، غير أن ما لا نستشعره سيغدو أصغر !

ولقد بتُّ أيها العام أكثر يقيناً بأن المواقف واللحظات الصعبة في حياتنا ما هي إلا محكّات تهيئنا لمراحل أصعب .
و تعلمتُ أن النفوس ثلاث ، مُشفقة و جاهلة و مريضة ، الأولى أصاحبها في الدنيا معروفا و الثانية أحاورها بالتي هي أحسن و الثالثة أجتنبها حتى تشفى .
و قد بت أعي أكثر أننا حين ننزرع في أنفسنا بصدق و نتلمس إنسانيتنا بجسارة و نبصر بقلوبنا منافذ الضوء سنكون أجمل و أنبل !

ملاك الخالدي
طالبة ماجستير جامعة الملك سعود



*الذواكر : جمع ذاكرة .

الأحد، 25 سبتمبر 2011

رحمك الله يا رائحة الجنة !

مازلتِ تجلسين قرب سماوات اللقاء رغم رحيلك !

مازلت تدحجين المكان عبق أهازيجك الشامية و رائحة التراب الأحمر الممتد على سهول الشمال ..

مازلتِ تدسين الحلوى في فمي و الريالات في يدي و تحملينني بالقرب من قلبك ..

مازلتِ تبتسمين رغم مرارة الأيام و مازلتُ أنتشي لابتسامتك الجسورة ..

مازلتُ ألعب في "الحوطة" و يداي تناوش الطين فتغسلينها كل حين ..

مازلتِ تحكين أحاجي "السويداء" و تنفثين في أرجاءِ روحي نسماتك الشامية النقية ..

مازلتِ تحملين عني حقيبتي رغما عني في الأيام القائضة حين أدلف الدار بعد عناء يومٍ دراسي و مازلتُ أقرأ في عينيك آيات الشفقة و الحنان ..

مازلتِ هنا و إن رحل جسدك المضمخ بالاغتراب الطويل ، مازلتِ هنا و إن أنهكني بعد رحيلك العويل ..

و ماتزال حروفي منكسرة ، ترتدي السواد ، تهطل دموعاً حتى اندمال جرح فراقك يا رائحة الجنة !


"رحمك الله يا جدتي و غفر لك و رزقك فردوسه الأعلى"

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

للعيد شجون




العيد بصخبه يثير داخلي شجوناً أبعثرها بابتسامة و ذاكرة تحاول التغاضي ،،


تستفزني الكثير من عبارات المعايدة ،، أكتب شيئاً صادقاً لكنني أمسحه ، ثم ألفق عبارة باهتة أرسلها للصديقات و الأخوات ،،


العيد له تعريف خاص لدي ، هو من أصدق التعاريف التي ستعرفها البشرية يوماً ما !


لكننا نمضي في لجج العيد و نزرع السعد داخلنا شكراً لله و فرحاً بالحياة ،،


و كل عام و الفرح حليفكم ..

الجمعة، 26 أغسطس 2011

وقفات رمضانية


_ في برنامج للدكتور محمد العوضي بمعية العالم عمرو الشريف رئيس أقسام الجراحة بجامعة عين شمس تناولا محور (العلم الحديث في مواجهة الإلحاد) كان برنامجاً استثنائياً فهو من جهة يجلّي الحقيقة لكل لاديني بدلائل علمية طبية بيولوجية و من جهة أخرى يرفد كل مؤمن بفيض روحاني علمي ثقافي فيجعله يقرأ القرآن بروح و عقل كلاهما مختلف ، حينها تساءلت في نفسي عن سبب غياب علماء التشريح و الطب و الفيزياء المسلمين عن مثل هذه القضايا و هذا الدور؟
وهم أكثر الناس خشية من الله ، لماذا تحولوا إلى علماء دنيا فقط؟

_(قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين).
إنها النفس البشرية التي تضيق بالجدال و استفاضته خصوصاً حين تكون تلك النفس مُعاندة مُكابرة أو مُنحازة مُنغلقة ، كما أن فيها إشارة إلى حاجة بعض البشر إلى الدلائل المحسوسة المادية لا المعنوية النظرية و تحديداً في المجتمعات البدائية التي لم تصل بعد إلى نضجٍ عقلي يمكّنها من إدراك البراهين العقلية ، و ربما كان نزوعهم إلى فض الجدال لإدراكهم وهن حججهم مقابل قوة الحق الذي يصدع به نوح عليه السلام ، هؤلاء يستجلبون لذهني كل من ينحاز لرأيه و يغلق باب الحوار ، طبعا هذا تأملٌ في الآية و ليس تفسيرا لها.

_الأطفال الذين يكسرون المصابيح الجديدة في الشارع بالحجارة أو الذين يلقون بالألعاب النارية على المارة يشعرونني بالخجل و أنا أبصر هذا الثقب الحضاري ، فالهوة شاسعة بين ماوصلنا إليه مدنيّاً و بين هذه السلوكيات ، لكنهم أيضاً يُشعرونني بالشفقة إزاءهم فلابد أنهم يعانون من حرمانٍ ما! نعم حرمانٌ في جوانب لا نعلمها من حياتهم تدفعهم للتلذذ بإيذاء الأرواح و الأشياء.

_أخبرتني أنها تنهي القرآن الكريم كل يومين ! ، في الحقيقة بإمكاني تفهّم إنهاء أي كتاب في ظرف يومين إلا أن القرآن الكريم بزخمه العلمي و اللغوي و الفكري و الروحاني من جانب و ما يقتضيه من تدبر و تأمل من جانب آخر و ما يستلزمه من آداب حين التلاوة أيضا تجعلني أُفضّل قراءة العقل والقلب و إن طالت على قراءة اللسان و إن كان ختم المصحف حينها خمسة عشر مرة في شهر واحد.

_الأطفال الذين يملأون مُصليات النساء حتى تحولت المساحة الخالية خلف الصفوف ملعباً و مبكى أو أولئك الذين يعبثون بحجاب تلك أو يتمرغون على سجادات الصلاة أو يقذفون بعضهم بعلب الماء يفسدون الخشوع حقاً ، أليس في هذا انتهاك لحرمة الله و العباد؟! ، حين حمل رسول الله الحسن و الحسين في المسجد مُشرّعاً بذلك إحضار الأطفال للصلاة ، كأنه يقول ربوا أبناءكم كهذه التربية ثم أحضروهم ، تلك تربية فاطمة و علي فشمروا عن قلوبكم و عقولكم معشر الآباء و الأمهات.

_ قد يستوقفنا وصف الله لإبراهيم عليه السلام بالأُمّة ، فهو ذو الخلق النبيل و الروح الوارفة إذ يقابل قسوة أبيه و شراسته في سبيل الأصنام بقوله : (سأستغفر لك ربي) ، وهو العالم الحكيم إذ يحاجج ذلك المعاند فيفحمه بقوله : ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب) ، وهو ذو العقل المتسائل المتفكر إذ خاطب ربه بتأدبٍ جم سائلاً إياه بقوله : (ربِ أرني كيف تحيي الموتى) و هنا تحفيز للبحث عن الحقيقة لا الجمود و التلقي فقط ، و هو الجسور الذي لا يأنف من الاعتراف بالحق و العودة عما سواه : (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون) في زمنٍ بات البعض يستميت و يقضي حياته في الدفاع عن رأيه ، و هو عليه السلام الذي أسمانا بـ "المسلمين" _كما في بعض التفاسير_ قال تعالى : (ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل) ، لذا كان أُمّةً و إماماً ، فأين نحن من هذا الإمام الأمة و أين نحن من تسميته لنا و كيف يتجرأ البعض فيسمي و يصنف الآخرين وفق ما يراه؟

_ في رمضان قد تتحول لمدقق إملائي للرسائل الواردة ، كنت أتجاهل التدقيق في هذا الشأن إلا أن الخطأ في حق الله يستفز بالتأكيد ، فكم ورد هذا الدعاء مغلوطاً بهذا الشكل (اللهم إنك عفوا تحب العفو فاعفوا عنا) والصواب هكذا : (اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا) ، عفواً إن الله عفو !

_ تمر الأعياد و مازالت تلك تذهب للمحكمة و تجيء بشأن قضية ميراث ، يا رب اجعل في هذا العيد نهاية لحكايتها التي طالت !



ملاك ،،

الجمعة، 19 أغسطس 2011

رحلة الأرواح .. !




على أي صبرٍ نتكىء حين تفجؤنا الحياة بتقلباتها ؟! و على أي قلبٍ نتكئ حين تدهمنا أعاصير قلوب أخرى ؟!


على موعدٍ نحنُ مع حكايات جديدة كل يومٍ تلامسنا فيه الحياة ، لذا نحتاج لمزيدٍ من الحكمة و الصمت و الصبر و الفرح لنلوّن هذه الحكايات كما نحب وفق ما يُرضي الله !

أعلمُ جيداً أننا قد نميل عما ينبغي منا أو ما عاهدنا الله و أنفسنا عليه إلا أننا سرعان ما ننتبه فنقف و نتيقن من أنه درسٌ إلهي يربينا به الله لنعي مثالبنا و نتحوط لأنفسنا بالقدر الذي نفهم فيه الآخرين أكثر ، برغم التباين الحاد و الهائل بين البشر، إنه ضوءٌ ينبلج في بداية طريقنا ، قد يلسعنا قليلاً لكننا سنكون بعد حين على طريقٍ أهدى و ببصيرة أرشد.

لا أعرفُ لماذا نستنزف أرواحنا و نلوثها بزيف الدنيا بدل أن نفتح أبوابها المواربة فنغمرها بالبياض كي لا نجور من أنفسنا أو من انهمار حيف الآخرين !

دائما أحدّثُ نفسي بأن غلبة النفس جهادٌ شاق لا يستطيقه إلا ذو عزمٍ عظيم ، امممم لابد أن هذا العزم يكون بقدر الإيمان لذا قال رسولنا الكريم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ، و هنا يغلبُ الإنسان نفسه فيتحقق الإيمان الحق ، فليسأل كلٌ منّا حين تضيق نفسه بأخيه أو يحيف لأجلها : هل أنا مؤمنٌ حقاً؟!

إن لحظات الذروة هي الفيصل الذي يدفعنا لتطبيق ما سعينا لأجله حيناً و ما اعتقدنا به دوماً ، فالأمر يحتاج لصدقٍ مع الله و الذات مهما بلغت التحديات ، و لازلتُ أذكرُ ذاك الذي شُـتمت أمه أمامه فما كان منه إلا أن قال للشاتم: إن كان بها ما تقول فغفر الله لها و إن لم يكن فغفر الله لك !

إنها لوحة الآخرة التي رافقت عقله و قلبه بصدق فحجبته عن زخرف دنياه المتقدة إغواءً لحواسه ، تـُرى حين نـُستفـزُّ فأيُّ الصور أقوى استحضاراً في أنفسنا : أ هي تلك التي نشعرها بعقولنا و قلوبنا فننتظرها أم هذه التي نعاقرها كل لحظة و تتلبسنا فتمحضنا من لوثتها كلما مِلنا إليها ؟

حياة رسولنا الكريم كانت تتويجاً لكل المثاليات على أرض الواقع ، حينها فقط انتفى الحد الفاصل بين ما يجب و ما هو واقعٌ و يقع !

إلا أننا مازلنا على امتداد عالمنا الإسلامي متشرذمين متباعدين تحركنا الخلافات الصغيرة فتحجبنا عن المقاصد الكبيرة و الأدهى حين يكون ذاك فقط لسوء ظنٍ أو لتوقعٍ ظالم ، لقد باتت حياة الكثير رهن التوقعات الظالمة و النزوات الشخصية ، و لن نجد دواءً إلا حين نشخّص الداء بعد أن نشعر به و نمضي في سبيل علاجه.

نريد أن نعيش بخفقات صادقة مُحبة ، بنفوس طاهرة بيضاء ، لنتصالح مع أنفسنا و نعقد اتفاقية إخاء دائمة مع الجميع غير قابلة للنقض أو الفض ، لنعيش بسلامٍ بنقاءٍ بابتسامةٍ لا تغيب .

ملاك الخالدي

الاثنين، 15 أغسطس 2011

في طريقي إليك


بسم الله الرحمن الرحيم


أرسلت لي إحدى الأخوات صورة و طلبت مني تأمّلاها و الكتابة عنها ، فكتبتُ بعض الجمل على عجالة ، إليكم الصورة و ما بُحتُ به:





في طريقي إليك

دخول:
يا هذه الروح اهرعي لربك و اتقي و اسجدي مع الساجدين !

ها أنا ياربُ في طريقي إليك أبحث عني و أفتش عن بقايا الضوء في خفقاتي بعد أن ران الجفافُ و الحزنُ على قلبي لأمد شاهق!
أتوق لأن أرتشف من سلسبيل رحمتك حين أقف بين يديك بعيداً عن سحنة دنياهم المدنفة بالأوجاع و الفوضى !
اشتقتُ انبلاج الصبح في روحي و انهمار الدموع من عينيَّ ، اشتقتُ خشوعاً يمتلئ به قلبي ، اشتقتُ أن أشعر قربك و عفوك !
اشتقتُ أن أعود من جديد لأكون من جديد و أرسم نبضي تراتيل حياة تنعم بالاطمئنان و النقاء .
ها أنا يا ربُ أعتزم الهجرة في ربيع كتابتك و أيام رحمتك و غفرانك و عتقك إيانا من النيران .
أمضي إليك و قد قطعتُ عهداً على نفسي بأن أمعن في طريقي حتى أجدني !
أمضي حتى أبعثر زفرات و انكسارات فأبلسم أركاني بدفء رحمتك .
أمضي كي أمتلئ بخفقات السعادة و الرضا!
أمضي لينزاح عن كاهلي عبء الدنيا و لوثتها و زخرفها فأنداحُ قصائد بيضاء .
أمضي كي لا تذهب نفسي حسرات خلف ما انقضى أو في سبيل ما هو آت .
أمضي لأعلم أن الحياة بقربك أجمل و أنقى.
أمضي لأكون في كنفك و من كان في كنفك فلا يضام يوم تبيضُّ وجوهٌ و تسودُّ أخرى!
أمضي إليك يا رب لأنك المتفرد بالعطاء و البقاء و إليك ترجع الأشياء و الأحياء .
فسبحانك ربنا .. أتينا إليك .. فاكتبنا في شهرك من الأوابين و المقبولين .

خروج:
فلنعد لله لنمتلئ نقاءً و ثواباً و نُكتب من المحسنين قبل أن يُـقضى أجلنا فنعاد إليه مفلسين !

ملاك الخالدي

الخميس، 11 أغسطس 2011

كن للقلبِ مسرى !

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد أن تصرمت العشرُ الأُول من شهر الضوء ملهمةً إيانا ما يُرسل الصمت بوحاً كانت قصيدتي هذه :

كن للقلبِ مسرى

وتهـاديتَ عـلى الأرواحِ سِحـرا
يملأ القلبَ بُـعيد القـيحِ بُـشـرى

وتهاديتَ لتروي الجدبَ نبـضـاً
و لتزجي الصمتَ في دنياي شِعرا

و تهـاديتَ كضوءٍ هـا هُــنا
يحضنُ الليلَ فيمضي الليلُ فجـرا

تبعثُ الروحَ كأنفاسِ الضُـحى
فيلاقينا بُـعـيـدَ العـمرِ عُمْرا

تُهتُ في أعطافكَ الجذلى و كـم
رزحَ القلبُ بساحِ الجدبِ دهـرا

أبصرَ الدنيا انكساراتٍ و مـا
عبرَ الدنيا إلى أُخرآهُ جِـسـرا

فارتمى يشرب من كأس الأسى
وإلهُ الكـون للأسبابِ أجــرى

نبصرُ الليل و لا نرجو الضحى
نلعنُ الشوكَ و لانـزرعُ زهـرا

نرتجي الغيم على الأرجاء يهمي
دون أن نسقي ضفاف القلب طُهرا

إنما السعـدُ من الروحِ فـقـمْ
نرسمُ الأيام كالأعـيادِ تـتـرى

يا انهمار الضوءِ يا طعمَ الهدى
يا ربيع العمرِ كن للقلبِ مسرى

بعـثِـر الآثامَ و ادهـقـنا بما
فاض من أعطافكَ النوراء عطرا

ملاك الخالدي

الاثنين، 1 أغسطس 2011

أهلا بكَ رمضان !


أهلا بك أيها الفجرُ الرمضاني الأول و أنتَ تعانق الأول من أغسطس آب !
أهلا بك و أنت تبلسم وجه آب اللهاب بنسائمك العذبة الماطرة بالنقاء !
أهلا بك و أنت تشعل في روحي الفرح دونما سبب أيها السبب الأكبر و الأجمل على الإطلاق!
أهلا بك و أنت تدفعني للبوح رغم صيامي الأدبي الذي امتد طويلا لأجدني أنقض هذا الصوم في إحدى صباحاتك النورانية !
أهلا بك و أنت تجعلني أعاهد ربي و نفسي ألا أغضب من أحد و ألا أسيء الظن بأحد خلال أيامك الكريمة في الأقل !
أهلا بك و أنا أشعر أنني أقوى و أتقى و أنا على باب الإله الأكرم أيها الكريم !
أهلا بك و أنت تملأني أملاً و عزماً ، و تزجيني لمزيد من التفكر و التدبر و التأمل في آيات ربي !
أهلا بك و أنت تملأ أرجاءنا الباهتة و أرواحنا الجرداء بروحانية مختلفةٍ و التراتيلُ ثنثال من المآذن العامرة !
أهلا بك و أنت تشكّلُ خارطة ذهني و روحي من جديد !
أهلا بك رمضان الخير فلقد اشتقناك حتى باتت حروف الترحيب ضئيلة إذ اندلفتَ ها هنا!


الأربعاء، 6 يوليو 2011

نحن و حضارتنا المثقوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن و حضارتنا المثقوبة

يقول الفيلسوف الراحل الدكتور علي الوردي في كتابه "خوارق اللاشعور" : (ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم و ميولهم و لكن العجب بالأحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف) .
لقد باتت حياتنا ساحة خصومات تتسع و تزداد وتيرتها كلما اتجهنا جنوباً حيثُ عالمنا الثالث ، حتى باتت أهدافنا و مقاصدنا الكبرى ضئيلة جداً في خارطة الذاكرة و الاهتمام لدى كل فردٍ منا .
أعلمُ جيداً أن مناكفات الحياة قد أسهمت كثيراً في استنزاف أرواحنا و قصر التفكير لدينا في إطار أوضاعنا الضيقة و الآنية فحسب إلا أن ذاك يجب أن لا يحجب عنا الأهداف الكبرى في بناء الإنسان و المجتمع و تحقيق عمارة الأرض و تعاهدها بدلاً من تقويضها حين ننشغل بأنفسنا و غيرنا فنساهم في توسيع الثقب الحضاري لدينا .
يجب أن نعترف بتراجعنا الحضاري ليس في الجانب المادي و العلمي فحسب بل حتى في الجوانب النظرية و الأخلاقية كذلك ، فالمجتمع المتراجع كما يقول المفكر مالك بن نبي _رحمه الله_ في كتابه "مشكلة الأفكار" : (ليس ذلك الموسوم بنقص في الوسائل المادية و الأشياء إنما بافتقارٍ للأفكار ، يتجلى ذلك بصفة خاصة بطريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه بقدر متفاوت من الفاعلية و في عجزة عن إيجاد غيرها).
إن أنماط تفكيرنا السطحية الانفعالية المنحازة تؤثر على رؤيتنا و تزج بنا في خصومات ضيقة مربكة و سمجة فتحجبنا عما يفترض بنا وعلينا ، فننحسر في هامشٍ قصي ، و تجربتنا الحضارية خير برهان على ذلك ، يقول المفكر عبدالكريم بكار في أحد كتبه: (المجتمعات و الأمم العظيمة القوية تكون معاركها الأساسية ليست مع الخصوم و المنافسين و الظروف العالمية إنما مع النفوس و الأهواء و المكونات الداخلية و بهذا توقفت حضارتنا عن العطاء).
لذا يجب أن نعترف بأمرين:

الأول : الانحسار الفكري و غياب التفكير الناقد حتى على أبسط المستويات ، لذا بتنا مستقبلين مقلدين فحسب ، يقول المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري ( لايزال البعض يرى أن جوهر المشروع النهضوي هو التخلي عن هويتنا و أدى هذا إلى غياب حاستنا النقدية في علاقتنا بالغرب لنكتفي بنقل ما يأتينا من أفكار) ، و الأمر ذاته ينسحب على من يقضي حياته متعصباً لرأيٍّ ما ، ساعياً وراء المعلومات التي تؤيد رأيه دون استعداده لتلقي أفكار جديدة و التأمل فيها وتمحيصها .
ثانيا : التكوين العقلي و النفسي ، و هو ما يسميه الدكتور الوردي بـ (الإطار الفكري) الذي ينشأ عليه الفرد و ينظر إلى الكون من خلاله و يصدر قراراته على ضوئه دون أن يشعر ، وتسهم في تكوينه عوامل نفسية و اجتماعية و حضارية ثقافية كذلك ، وهذا الإطار ليس عيباً إنما ضرورة أزلية فكما يقول المسيري: (الإنسان لا يمكن أن يعيش في العام و لا بد له من خصوصية ثقافية) و هذه الخصوصية لها الأثر الأبرز في تكوين إطاره الفكري ، لذا يجب أن نعترف بوجود هذا الإطار و تأثيره على تصرفاتنا و قراراتنا فكما قيل " كلما اشتد اعتقاد الإنسان بأنه حر في تفكيره ازدادت عبوديته الفكرية" لأنه ينكر وجود إطار فكري و هذا يبرهن على تعصبه الشديد.

لذا إن تنشيط التفكير و رفع مستواه و النظر من خلال رؤية أوسع و افتراض خطأ آرائنا و توخي الموضوعية في كل أمر يؤدي لخلق أفكار جديدة و فلترة تلك الوافدة أو الراكدة و يجنبنا الخلاف و الشقاق الذي يوغر الصدور و يفكك العُرى و يحجب الآفاق .
لا يمكننا أن نتطلع إلى مجتمع ناهض بأفراد لا يتجاوز تفكيرهم مشاكلهم اليومية أو الخدمات و الخصومات ، نحن بحاجة لأن نفكر و نبدع لدفع مجتمعنا للأفضل أو في الأقل لرسم وجه فكري و أخلاقي مضيء لحضارتنا المثقوبة بفعل أيدينا!

وجه حضاري:

في حفل تعليم البنات البهيج الذي أقيم قبل أسبوعين تقريبا ، دلفتُ القاعة مبكراً استعداداً لإلقاء قصيدة الحفل فكانت تلك تحمل الأغراض و تمسح و تذهب و تجيء و تساعد كواحدة من لجان الحفل ، حقا كلما كان عقل الإنسان كبيراً اتسعت معه روحه و ازداد أريحية و تواضعاً و عطاءً ، شكراً دكتورة جميلة الشايع على رسمك ذلك في واقعنا و شكراً أيضا لأنك وجه حضاري لا يلغي الواقع لكنه يؤكد الاستثناء !

ملاك الخالدي

السبت، 7 مايو 2011

أنسنة الإنسان

أنسنة الإنسان

لم يكن بالحسبان ذلك اليوم الذي سأتمنى فيه أن يعود الإنسان لطبيعته الإنسانية بعد أن فقدها أو تجرد منها ، حتى أصبح (كائناً) ولن أمضي بعيداً لأنعته بـ (الشيء) فهو يأكل و يشرب و يتنفس أي أنه مازال يتمتع بسمات الكائنات الحية! ، و لو مضيت لنعتِه مجازاً بالشيء فليس هذا من الظلم في شيء فالله أعدل العادلين نعت قلوب طائفة من الناس بأنها (كالحجارة أو أشد قسوة).
فما عاد الإنسان في سلوكه و ممارساته إنساناً ، فلم نعد نشعر بمقوماته البشرية الفطرية التي تظهرُ إخاءً و شفقة و إيثاراً و إنصافاً للنفس و الآخرين و غير ذلك من ملامح النفس الإنسانية التي فطر الله عليها الإنسان و جاءت الأديان السماوية لترسيخها بل حتى الأنظمة الوضعية كذلك لا يمكن أن تقر بما يخالف تلك القيم و المقومات و الملامح بشكل صريح لأن هذه الانظمة حيئذ ستكون محل رفض إلا أنها قد تسن قانوناً يسوغ ما هو مضاد لها ، فالنظام الرأسمالي مثلاً لا يمكن أن يقر بشكلٍ مباشر بالجشع كقيمة مباحة إلا أنه كمضمون و ممارسة ينحاز لأصحاب رؤوس الأموال على حساب الطبقات المتوسطة و الكادحة.
و نحن كذلك كأفراد في مجتمع مسلم لا يمكننا القول بأن المصلحة و الإنحياز للرأي و فرض الذات أموراً ضرورية في خضم الحياة المتسارعة إلا أن الكثير ينطلق منها لممارسة حياته ، فلقد باتت المصالح تحكم العلاقات الاجتماعية بعد أن كانت الإخاء و المودة و الاحترام هي الحاكمة ، و بات إطلاق الحكم على الأشخاص و الأحداث ينطلق من الهوى و الرأي الشخصي و (الفزعة) للقريب بعد أن كان الإنصاف هو المُنطلق ، و بات فرض الذات هو الذي يبعث على العطاء بعد أن كان الطموح هو الباعث، و غير ذلك كثير.
إن هذا لا يؤثر على متانة و انسجام مجتمع ما فحسب بل على نظرتنا لذلك المجتمع و لكل الأشياء و الأشخاص في العالم.
فعلى سبيل المثال لم تعد كثير من وسائل الإعلام العربية تتعاطى مع الأحداث بشكلٍ مهني و موضوعي نتيجة لخلفيات معينة توجه القائمين عليها حتى أن شريحة كبيرة من أبناء المجتمعات العربية أصبحت تستقي الأخبار من المحطات الأوربية بحثاً عن الحقيقة.
فلقد أصبحت الملامح و المقومات الإنسانية بضاعة كاسدة في عالم المادة و المصلحة لذا بدأ الإنسان ينسلخ منها بل و يتنكر لها و يرى فيها سذاجة أو مثالية لا تتفق و الواقع المعاش .
ما أدعو إليه ليس الأنسنة بمفهومها الفكري الذي يدعو لتغليب النزعة الإنسانية كما أنها ليست الأنسنة الأدبية بالتأكيد ، إنما هي دعوة للحفاظ على البقايا الإنسانية داخلنا و إعادة الطبيعة الإنسانية السوية بعد أن تجرد منها صاحبها و ارتدى قناع المصلحة و المادة و الأنا و ما تريده هذه الأنا .

لنقيّم أنفسنا بعد كل موقف نمر به و نتساءل : هل كنت في ذاك الموقف كائناً أم إنساناً؟!

ملاك الخالدي

الخميس، 28 أبريل 2011

الثالث و العشرون من أبريل

بسم الله الرحمن الرحيم


الثالث والعشرون من أبريل
في هذا العام شعرت به حين مر في أرجائنا، مر ساكنا إلا أن ضجيجه اجتاح تفاصيلي وأرسلني لأفق آخر، في كل عام أشعر به إلا أن هذا العام كان مروره مختلفا حقا، لذا جئت بكتبي وجمعت أقلامي وأحلامي فبدأت بقصيدة تصرمت قبل انسكابها، فرغم بهائك أيها اليوم إلا وحدتك وخفوت ضوئك على ملامح الآخرين يدفع قصائدي للانكفاء.
بات الثالث والعشرون من إبريل «اليوم العالمي للكتاب» يوما مجهولا لدى كثير من أبناء مجتمعاتنا العربية، احتفى به بعض الأدباء والمثقفين على صفحات الجرائد لكن هذا الاحتفاء غاب عن واقع حياتنا، كعادة الكثير من المفاهيم الجميلة والمتفردة حين تبقى حبيسة العوالم الافتراضية والنظرية، كم كنت أتوق لأن يكون الاحتفاء بهذا اليوم الكريم في كل مؤسسة ومدرسة وجامعة وحي، فالاحتفاء بالتأكيد ليس هدفا إنما إشارة تنبيه لكل فرد بشأن أهمية المحتفى به ودوره في صناعة الإنسان والحضارة والتقدم في عصرنا هذا، كما في مختلف العصور، فنحن لا نجد حضارة أشرق نورها إلا عن طريق المعرفة والكتاب بلا ريب هو المصدر الأول في بنائها ومن ثم بناء العقل والمادة، وقد أعجبني أحد الأدباء في قوله «القراءة هي السبيل لصنع التساؤلات» فالعقل ينشط بالقراءة التي تدفع للتساؤل والمضي في طريق البحث عن الإجابة بعكس العقل المتوقف عند درجة اللاحراك فسيمارس صاحبه حياته باجترارها دون شعور أو أثر، ولا تثريب فمن لا يقرأ لن يشعر بقيمته هو كإنسان فكيف بقيمة الكتاب؟

ومن المواقف الأشد إيلاما في حياتي حين كنت مع إحداهن نعد احتفاء فاقترحت أن تكون هدايا الحاضرات كتبا، حينها سخرت مني وأردفت قائلة: لو تم إهدائي كتابا في محفل فسأرميه في سلة المهملات! يا ترى لو سمعها آلبرتو مانجويل مؤلف كتاب «الحياة ضرورية للحياة كالتنفس» فماذا تتوقعون أن يفعل؟
ملاك الخالدي _ صحيفة شمس

الخميس، 31 مارس 2011

الفضيلة و السقوط

الفضيلة و السقوط كثيراً ما أتساءلُ حول العلاقة بين التطور و التفسخ ! ، هل بالفعلِ ثمةَ علاقةٌ طردية بينهما بحيث أن ارتفاع أحدهما يؤدي لارتفاع الآخر أم أن المشكلة في فكرتنا عن التطور؟ ما يزال ذلك التساؤل يكبر في ذهني حينَ أقرأُ كتاباً لمثقفٍ يتنصلُ بإجحافٍ من تاريخه أو حين يلقي بمبادئه جانباً فتتحول حروفه إلى وحلٍ داكن ! ، و يصاحبني هذا التساؤل أنى أذهب و حتى حينَ أبصرُ الحياءَ يتساقطُ من على أذرعِ فتاة في محفلٍ أو منتزه! أظننا نلحظُ تعاظم اتساع موجة فك الارتباط بالموروث و الانجذاب إلى المستورد الحديث بلا تمحيص ، كما أن مؤشر اضطراب السلوك بازدياد ! و لا ريب فالمسافة بين القيمة و الإنسان أصبحت أطول ، و فاعلية القيمة أقل ، نظراً لضآلة التفاعل معها و انعدامهِ في أحيانٍ أخرى । لماذا ارتفع صوتُ المادة و خبى صوت الفضيلة ؟ بل لعلي أذهب إلى أبعد من هذا لأقول لماذا أصبحت الفضيلة منقصة و الرذيلةُ بكل أسفٍ مفخرة ؟! ربما تكمن المشكلة في تصور الآخرين للفضيلة فهي في نظرهم ليست إلا جزءً من أفكار الإنسان القديم و عوامل استلابه و تراجعه ، أو أنها عثرة في طريق تطوره و تحديثه ، فهي في نظر الكثير أداة تـُعلي من العواطف و تعطل العقلانية و الموضوعية ، و هي رقيبٌ يفرض سلطته على الممارسة و التفكير و حتى الخيال ! و قد غفل أصحاب هذا التصور عن أن الفضيلة هي القاعدة الصلبة التي تحفظُ البناء من الانهيار ، و أن غيابها أو تغييبها يعني الانتظار على جرفٍ هار ! ، فحين تنعدم أو تتقلص ستتفشى أنماطٌ سيئة من السلوك تقومُ على إباحة الفرد لنفسه ما يشاء ، فلا رادع يمنعه عن الغش و الاحتيال و ممارسة الرذائل بكافة أشكالها ، و لا ريب بأن ذاك سينسحبُ على المجتمع ليصبح سمـَـتـََهُ التي لا تنفكُ عنه ، و بمقابل ارتفاع البنيان و تضخم الأموال و بروز أنماط من الرفاه و التمدن ثمة فراغٌ أخلاقي و قيمي كبير يفتك بكافة تفاصيل التعاظم المادي ! ، فزوال القيم المعنوية الإيمانية يعني انعدام قواعد و ركائز المجتمع المتحضر. إن الفضيلة التي تقلصت للأسف ، هي الحافزُ و الحافظ للمجتمعات ! ، فهي القيمة و الفكرة التي ينطلقُ منها الفرد للبناء و هي المعززةُ لتوهجه ، و هي التي تعملُ على توجيه سلوكه وفق قاعدة صلبة في هامشٍ متسعٍ تتعددُ فيه الوسائل و تتنوع الأشكال و هذا بالتأكيد لا يعني تحرر الوسائل من القاعدة. فالفضيلةُ هي الحافظ الأمين للفرد و المجتمع ، و إن اختلف المفكرون حولها فيما إذا كانت نسبية متغيرة أو مطلقة ثابتة فنحنُ سننطلق في تحديدها من التصور الإسلامي ، فنتفق أنها تلك القيم النابعة من العقيدة و الإيمان ، و يأتي القرآن الكريم مؤكداً على تواشج الفضيلة و البناء ، فلقد رسم لنا صورة الإنسان في أحسن حالاتهِ و أقومها و أكثرها إنتاجاً و عطاءً و إبداعاً حين ينطلقُ من قيمه الإيمانية و يضبط استعداداته و انفعالاته وفقها ، و يكون في أسوأ حالاته و أكثرها اختلالاً حين ينحرفُ عن تلكم القيم . إذن سنخلص إلى أن الخلل السلوكي الناتج عن خللٍ قيمي ما هو إلا مظهر تراجع و تخلف ، و متى ما تم تدارك هذا الخلل و ضبطه فإن مجتمعنا و بلا شك سيكونُ في أفضلِ حالاته و أكثرها عطاءً و تطوراً . يجب أن نعي و بقوة انعدام التعارض بين كفة الثقافة و العلم و التقنية و التطور و كفة عقيدتنا و مبادئنا و موروثاتنا الحميدة ، بل إن الكفة الثانية هي الخلفية الصلبة التي نتكئُ عليها و نقوى بها و نُبدع ، أما التنكر لها أو معاداتها هو الترنح بين ثقافة نجحدها و أخرى ترفضنا وحين ذاك يكون السقوط ! ملاك الخالدي

الجمعة، 11 مارس 2011

الكتاب والإنسان وتداعيات أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم


الكتاب والإنسان وتداعيات أخرى

تساؤل أول:
حين استخدم الإنسانُ الأول الحجرَ مستعينا به في صروف حياته هل كان يتصور أنه سيتحول إلى حجرٍ بعد آلاف السنين ؟!

لم أكن أعلم أن اللحظات المبهجة هي التي تضعنا أمام أنفسنا بشكلٍ صادق ، لنبصر مساحات البؤس على امتداد العالم فضلاً عن امتداد أرواحنا المنكسرة ..
أظن أن الذات الواعية تستيقظ كل ذاتِ بهجة لتحافظ على نبض الإنسان داخلنا !

لذا يفرحُ الطفل بقطعة حلوى و يمضي مغتبطاً حد الانتشاء فالعالم و الزمان قد انحسرا فيها و انتهيا إليها ، ليس لانعدام الوعي لديه بل لأن الإنسان داخله لم يـُدنف بسحنة المكان و الزمان و أشباح الإنسان .

_إذن هل تعودين يا ملاك عما دعوتِ إليه في أحد المقالات بشأن التأسيس لطفولة واعية عوضاً عن تلك الآمنة !
_لا بأس .. فلتسقط الطفولة الواعية حتى حين ، رغم أننا قوم تأخذنا الأنفة فنهلك في سبيل ذواتنا ، يؤسفني أن أعترف أننا نعيش بنفوسٍ عقيمة !
_مللنا جلد أنفسنا يا ملاك .. تحدثي عن معرض الكتاب أو عن مجموعتك القصصية الجديدة (لا تبيعوا أغصاني للخريف) أو ..
_لقد كانت فرحتي القصوى أن أجد كتباً حالت بيني و بينها التقلبات و المسافات أو أرى كتابي الصغير على أرفف المكتبات ، لكن لا أعرف لماذا لحظتها انثالت صورٌ كانت قد التقطتها ذاكرتي من نشرات الأخبار و مشاهد أخرى عايشتها فتبعثر جزءٌ غير يسير من ذلك الشعور الكبير.
_بسيطة .. احجبي نفسك عن مشاهدة الأخبار !!
_ و هل أستطيع حجب ذاكرتي عن التذكر و عينيّ عن الإبصار ؟!
فهناك على ضفة يا بسة .. أناس بلا دواء ..
بلا رغيف أو مأوى أو وطن أو حتى ابتسامة .
لقد كانوا يموتون على قارعة الحياة .
و آخرون يعيشون بعقولٍ قيد الانتظار.
_أي الفريقين أشد مرارة ؟
_لا فرق فكلها في ميزان الحياة نقصان يترك ثقباً لا يمكن مواراته أو تجاوزه .

و على ضفةٍ أخرى..
أناس يقضون حياتهم ملوثين بالدنيا ، يجرعون كؤوسها النخرة أو يقتاتون فتات أو ابتسامات غيرهم .
هؤلاء الذين يصنعون ماء حياتهم من أوجاع الآخرين !
كم وددتُ أن يعلموا أنهم يثملون بدموع الغافلين و المستضعفين لينشرخ كيان الجبروت فيهم .

ضفة اليباس يقاسون النقصان أما الضفة الأخرى فسيفضي بهم الحال إلى خسران .. إنها فلسفة يجب استحضارها كل حين لنبلسم بها تفاصيل الذاكرة و الحياة المشغولة بالتحدي و مقارعة الانكسار و الأسى.
إن وضع الإنسان في هذا العصر يشي برماد لذا حريٌّ بكل واحدٍ منا أن يصنع الأمل و يعلق على بوابة روحه يافطة من ضوء تقول : متفائل حتى إشعارٍ آخر !
ليس لنا إلا البحث عن أنفسنا في أوراقنا و نبضاتنا الصادقة ، ليس لنا إلا زرع البياض في ذواتنا لنعيش ككائنات تستطيع قطع المسافات المتبقية حتى لا نستيقظ يوماً ما مفلسين عاجزين عن استيعاب مناكفات و مدافعات الحياة .

نخفي موجات الانكسار ، نرتدي شجاعة تقاوم الذبول ، و دموعنا تقف على حافة الاندلاق ، فندفعها بابتسامة لنكمل بقية المشهد الذي يشبهنا إلى حدٍ كبير .

تساؤل أخير:
تقلبات البشر هل تخلق داخلنا شعوراً بعدم الشعور ، و هل الشعور بعدم الشعور هو البلادة ، أم أن الشعور و البلادة لا يلتقيان؟!

ملاك الخالدي

الأحد، 6 مارس 2011

لا تبيعوا أغصاني للخريف

بسم الله الرحمن الرحيم
لا تبيعوا أغصاني للخريف



يعرض جناح دار رواية للنشر و التوزيع المشارك في معرض الكتاب الدولي بالرياض كتاب (لا تبيعوا أغصاني للخريف) للأديبة ملاك الخالدي أحد بنات منطقة الجوف ।و الكتاب عبارة عن مجموعة من القصص الاجتماعية الأدبية المتنوعة ما بين قصيرة وقصيرة جداً و منها قصة: لا تبيعوا أغصاني للخريف (التي حملت اسم الكتاب) و أخرى كـ: ابتسامة صفراء ، مدينة القلق ، بلا دموع ، رائحة الطين ، صمت يشبه الكلام ، للجوف مطر ، وغيرها من القصص ।و صرّح القائم على الجناح أن الكتاب من أكثر كتب الدار مبيعا خلال الأيام الماضية।
يذكر أن المجموعة القصصية هي الإصدار الثاني للأديبة بعد ديوانها الأول (غواية بيضاء) ، كما أن دار "رواية" إحدى دور النشر المتخصصة بنشر الروايات والقصص الهادفة।و قد أهدت الأديبة مجموعتها القصصية (لا تبيعوا أغصاني للخريف) لمنطقة الجوف ، حيث جاء في الإهداء: إلى الأرجاء التي ملأتني بالتحدي و الأملرغم الجراح و الانكسارات إلى الأرض التي احتضنت دموعي و ابتسامتي إلى منطقة الجوف شمال القلب أهدي هذه الخفقات.

الأربعاء، 2 فبراير 2011

مشروع بناء الوعي

بسم الله الرحمن الرحيم

مشروع بناء الوعي (1_1) .

الوعي و التفاعل النقدي

قبل فترة زمنية وجيزة كنتُ أعتقد أن الثورة التقنية و المعرفية رفدت مجتمعنا مزيداً من الوعي بإسراجها المعارف و الأفكار و الخبرات بين يدي الأفراد ، أي أنها وضعت الفرد على مقربة من الحراكات العلمية و الفكرية بعد أن كان غائباً عنها بما يرفع منسوب الوعي لديه إلا أنني عدتُ عن ذلك و أصبحتُ أؤمن بضرورة تأسيس الوعي لدى الفرد ، فالإنفجار المعرفي و التقني سيزيد الفجوة بين ابن مجتمعاتنا الصغيرة و العلوم المتطورة في ظل جمود الأول المعرفي و الذهني و التسارع المذهل في الطرف الآخر ، و لا سبيل لتقليص الانحسار و بناء المجتمع إلا مد جسور الوعي الذي ينتجُ بلا شك تفاعلاً نقدياً خلاقاً كأحد أسس البناء المجتمعي.
الوعي باختصار هو الإدراك ، إدراك الأمر من كافة جوانبه و افتراض المخرجات و التبعات وفقاً لنوعية التعاطي معه و من ثم يأتي التفاعل الواعي أو ما سأسميه التفاعل النقدي و هو التفاعل الخلاق أي ذلك الذي يستفيد و يـُفيد.
و لكي تتضح الفكرة سنقسم الوعي إلى ثلاثة أقسام :
1_ الوعي بالأشياء :
و المقصود بالأشياء هنا الموجودات اللاواعية و الغير مدركة ذات الوجود الأحادي ، بمعنى أنها موجودة إلا أنها غير قادرة على التفاعل من تلقاء ذاتها بعكس الإنسان ذي الوجود المزدوج كما يقول هيجل ، فهو موجود كماهية و روح لذا هو القادر على التعاطي مع الأشياء من حوله و تسخيرها وفقاً للمفهوم القرآني في إعمار الحياة ، فهو قد يطوعها أو ينصاع إليها و يعود ذلك لمستوى الوعي لديه أو حتى وجود ذلك الوعي من عدمه، لذا كان حقيقاً بالإنسان فهم الأشياء فهماً كاملاً حقيقياً و استقراء نتائج التعاطي معها ، فمن المخجل أن يتحول الفرد أداة لأدواته أو أن يجعل منها قوة تحركه و تسيطر عليه و ترسم الكثير من تفاصيل حياته ، و لعلنا نسحبها على واقعنا الحياتي فمثلاً ارتفاع سعر مادة استهلاكية معينة هو بالتأكيد نتيجة وعي الطرف المستفيد و لكن تبقى هي في النهاية شيء يمكننا بالمقابل إخضاعه بالتقليل من استهلاكه أو التوجه لبدائل أخرى أو حتى مقاطعته ما يؤدي إلى نتيجة موجبة.
2_ الوعي بالمفاهيم و الأفكار:
لعل هذا المستوى أكثر تطوراً لأن الوعي بالأمور المعنوية غير المحسوسة يحتاج لمستوى ذهني أعلى و يعتمد هذا على نوعية المفهوم و الفكرة باختلافها من حيث إفادتها أو خيريتها من عدمها وهو ما أثبته الله عز وجل في قوله (إنا هديناه النجدين) أي طريق الخير و نقيضه ، فهي تعد أموراً كونية أزلية مبثوثة في الحياة منذ انفلقت ، كالمكابدة و المدافعة و المنطقية و الاستبداد و العدالة و النسبية و غيرها و الجانب البشري لا يتجاوز بلورتها و إطلاق المسمى.
وعي الإنسان بها هو إدراكها و من ثم إدراك امتداداتها الفكرية أي علاقتها التكاملية و التدافعية مع غيرها من المفاهيم ، و تأثيراتها المتعددة على المساحة البشرية ، و وفقاً لذاك يتم تطبيق المفهوم أو الإحجام عنه ، أو مدافعته أو الاسجابة له إن كان مفروضاً أو سائداً لحين إنجلائه ، إن التعاطي اللاواعي أي تطبيق المفاهيم و الأفكار و التفاعل معها على جهلٍ بها و بامتداداتها كفيل بخلق مشهد عبثي فوضوي يضر بالإنسان و يؤدي إلى انحساره و مجتمعه.
فمثلاً قد يفهم الفرد منا "العقلانية" على أنها مذهب فكري يجنح لتغليب العقل على النقل و هو ما يتقاطع سلباً مع المبادئ الدينية في حين يراه آخر أنه أحد السبل للتخلص من الخرافات الموروثة و إعادة قيم الإسلام لمكانها المميز في المجتمع ، فإعمال العقل سبيل لمزيد من الاطمئنان للمعتقد و الخشية كما ورد في القرآن الكريم.
أو كمن لا يعي مفهوماً ما فيرفضه لأنه يوحي إليه بشيء سالب بسبب صورة نسقية مغلوطة فيتوقف عليها دون تمحيص أو بحث و هنا غاب التفاعل النقدي لغياب الوعي أو انحساره.
3_ الوعي بالأحداث أو (الوعي المجتمعي):
و أقصد به فهم الإنسان لنظيره و وفقاً لذلك يعي مجتمعه و من ثم يأتي التعاطي، و مما يندرج في إطاره ما يسمى بـ (الوعي بالذات) ، فالوعي بالذات هو فرع من الوعي بالآخر و الوعي بالآخر هو فرع من الوعي بالذات كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار ، فأنت تبصر الآخرين إنطلاقاً من خلفيتك و تكوينك الذهني و المعرفي.
يخرج الفرد للحياة كائناً بيولوجياً ما يلبث أن يتحول إلى كائنٍ اجتماعي مع اكتمال حواسه و إدراكه ، فهو كائن مزدوج (جسد و روح واعية) ينزع للتأثير و التأثر ، لذا في إطار المساحة الاجتماعية هو بحاجة لإدراك النزعات البشرية و الخلفيات العقلية و النفسية ، و التواشجات و التباينات الاجتماعية و عليها ينبني التفاعل الواعي ، إلا أن هذا الجانب يبدو مغيباً فالأحداث أو التفاعل المجتمعي هي ما يفتعله فرد أو فئة نتيجةً لمستوى معين من الوعي بالأشياء و المفاهيم و هو ما أشرت له في البدء حين أشرت إلى أن الوعي الاجتماعي هو نتيجة عقلية ذات خلفية معينة ، أي أن هذا الوعي ينطلق من فهمنا الخاص للأشياء و المفاهيم ، و كلما ازداد وعي الإنسان بهما ازداد وعيه بالآخرين من حوله، لذا كنت أقول دائماً أن الأحداث لا تعيد نفسها إنما العقلية السائدة تكرر نفسها في كل مرة.
على سبيل المثال في حقبة تاريخية مضت كان الحجاج الثقفي يفهم "البطش" على أنه تأديب و فرض لاستتباب الهدوء و ربما رأى السيف أداةً لذلك و ما يجنيه من مكاسب مادية تعزيزاً لسيادة العدالة لذا رأى في كل من خالفه مروقاً و جنوحاً حتى كان العالم الجليل سعيد بن جبير أحد ضحاياه.
و هو ما ينسحب على الفرد في عالم اليوم فالمدير مثلاً قد يرى في بقائه استمراراً للعمل المنتج و المثالي و يرى في ظهور الأسماء الجديدة القادمة إرباكاً لذا يستمرئ التهميش و السلطوية.
نحن لا نستطيع التخلص من أفكارنا التي ترسم وعينا بالآخرين إلا أن زيادة الوعي بالشيء و المفهوم سيؤدي لمزيدٍ من الوعي المجتمعي و من ثم التفاعل النقدي الواعي.

ملاك الخالدي