الأربعاء، 6 يوليو 2011

نحن و حضارتنا المثقوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن و حضارتنا المثقوبة

يقول الفيلسوف الراحل الدكتور علي الوردي في كتابه "خوارق اللاشعور" : (ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم و ميولهم و لكن العجب بالأحرى أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف) .
لقد باتت حياتنا ساحة خصومات تتسع و تزداد وتيرتها كلما اتجهنا جنوباً حيثُ عالمنا الثالث ، حتى باتت أهدافنا و مقاصدنا الكبرى ضئيلة جداً في خارطة الذاكرة و الاهتمام لدى كل فردٍ منا .
أعلمُ جيداً أن مناكفات الحياة قد أسهمت كثيراً في استنزاف أرواحنا و قصر التفكير لدينا في إطار أوضاعنا الضيقة و الآنية فحسب إلا أن ذاك يجب أن لا يحجب عنا الأهداف الكبرى في بناء الإنسان و المجتمع و تحقيق عمارة الأرض و تعاهدها بدلاً من تقويضها حين ننشغل بأنفسنا و غيرنا فنساهم في توسيع الثقب الحضاري لدينا .
يجب أن نعترف بتراجعنا الحضاري ليس في الجانب المادي و العلمي فحسب بل حتى في الجوانب النظرية و الأخلاقية كذلك ، فالمجتمع المتراجع كما يقول المفكر مالك بن نبي _رحمه الله_ في كتابه "مشكلة الأفكار" : (ليس ذلك الموسوم بنقص في الوسائل المادية و الأشياء إنما بافتقارٍ للأفكار ، يتجلى ذلك بصفة خاصة بطريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه بقدر متفاوت من الفاعلية و في عجزة عن إيجاد غيرها).
إن أنماط تفكيرنا السطحية الانفعالية المنحازة تؤثر على رؤيتنا و تزج بنا في خصومات ضيقة مربكة و سمجة فتحجبنا عما يفترض بنا وعلينا ، فننحسر في هامشٍ قصي ، و تجربتنا الحضارية خير برهان على ذلك ، يقول المفكر عبدالكريم بكار في أحد كتبه: (المجتمعات و الأمم العظيمة القوية تكون معاركها الأساسية ليست مع الخصوم و المنافسين و الظروف العالمية إنما مع النفوس و الأهواء و المكونات الداخلية و بهذا توقفت حضارتنا عن العطاء).
لذا يجب أن نعترف بأمرين:

الأول : الانحسار الفكري و غياب التفكير الناقد حتى على أبسط المستويات ، لذا بتنا مستقبلين مقلدين فحسب ، يقول المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري ( لايزال البعض يرى أن جوهر المشروع النهضوي هو التخلي عن هويتنا و أدى هذا إلى غياب حاستنا النقدية في علاقتنا بالغرب لنكتفي بنقل ما يأتينا من أفكار) ، و الأمر ذاته ينسحب على من يقضي حياته متعصباً لرأيٍّ ما ، ساعياً وراء المعلومات التي تؤيد رأيه دون استعداده لتلقي أفكار جديدة و التأمل فيها وتمحيصها .
ثانيا : التكوين العقلي و النفسي ، و هو ما يسميه الدكتور الوردي بـ (الإطار الفكري) الذي ينشأ عليه الفرد و ينظر إلى الكون من خلاله و يصدر قراراته على ضوئه دون أن يشعر ، وتسهم في تكوينه عوامل نفسية و اجتماعية و حضارية ثقافية كذلك ، وهذا الإطار ليس عيباً إنما ضرورة أزلية فكما يقول المسيري: (الإنسان لا يمكن أن يعيش في العام و لا بد له من خصوصية ثقافية) و هذه الخصوصية لها الأثر الأبرز في تكوين إطاره الفكري ، لذا يجب أن نعترف بوجود هذا الإطار و تأثيره على تصرفاتنا و قراراتنا فكما قيل " كلما اشتد اعتقاد الإنسان بأنه حر في تفكيره ازدادت عبوديته الفكرية" لأنه ينكر وجود إطار فكري و هذا يبرهن على تعصبه الشديد.

لذا إن تنشيط التفكير و رفع مستواه و النظر من خلال رؤية أوسع و افتراض خطأ آرائنا و توخي الموضوعية في كل أمر يؤدي لخلق أفكار جديدة و فلترة تلك الوافدة أو الراكدة و يجنبنا الخلاف و الشقاق الذي يوغر الصدور و يفكك العُرى و يحجب الآفاق .
لا يمكننا أن نتطلع إلى مجتمع ناهض بأفراد لا يتجاوز تفكيرهم مشاكلهم اليومية أو الخدمات و الخصومات ، نحن بحاجة لأن نفكر و نبدع لدفع مجتمعنا للأفضل أو في الأقل لرسم وجه فكري و أخلاقي مضيء لحضارتنا المثقوبة بفعل أيدينا!

وجه حضاري:

في حفل تعليم البنات البهيج الذي أقيم قبل أسبوعين تقريبا ، دلفتُ القاعة مبكراً استعداداً لإلقاء قصيدة الحفل فكانت تلك تحمل الأغراض و تمسح و تذهب و تجيء و تساعد كواحدة من لجان الحفل ، حقا كلما كان عقل الإنسان كبيراً اتسعت معه روحه و ازداد أريحية و تواضعاً و عطاءً ، شكراً دكتورة جميلة الشايع على رسمك ذلك في واقعنا و شكراً أيضا لأنك وجه حضاري لا يلغي الواقع لكنه يؤكد الاستثناء !

ملاك الخالدي