الخميس، 31 مارس 2011

الفضيلة و السقوط

الفضيلة و السقوط كثيراً ما أتساءلُ حول العلاقة بين التطور و التفسخ ! ، هل بالفعلِ ثمةَ علاقةٌ طردية بينهما بحيث أن ارتفاع أحدهما يؤدي لارتفاع الآخر أم أن المشكلة في فكرتنا عن التطور؟ ما يزال ذلك التساؤل يكبر في ذهني حينَ أقرأُ كتاباً لمثقفٍ يتنصلُ بإجحافٍ من تاريخه أو حين يلقي بمبادئه جانباً فتتحول حروفه إلى وحلٍ داكن ! ، و يصاحبني هذا التساؤل أنى أذهب و حتى حينَ أبصرُ الحياءَ يتساقطُ من على أذرعِ فتاة في محفلٍ أو منتزه! أظننا نلحظُ تعاظم اتساع موجة فك الارتباط بالموروث و الانجذاب إلى المستورد الحديث بلا تمحيص ، كما أن مؤشر اضطراب السلوك بازدياد ! و لا ريب فالمسافة بين القيمة و الإنسان أصبحت أطول ، و فاعلية القيمة أقل ، نظراً لضآلة التفاعل معها و انعدامهِ في أحيانٍ أخرى । لماذا ارتفع صوتُ المادة و خبى صوت الفضيلة ؟ بل لعلي أذهب إلى أبعد من هذا لأقول لماذا أصبحت الفضيلة منقصة و الرذيلةُ بكل أسفٍ مفخرة ؟! ربما تكمن المشكلة في تصور الآخرين للفضيلة فهي في نظرهم ليست إلا جزءً من أفكار الإنسان القديم و عوامل استلابه و تراجعه ، أو أنها عثرة في طريق تطوره و تحديثه ، فهي في نظر الكثير أداة تـُعلي من العواطف و تعطل العقلانية و الموضوعية ، و هي رقيبٌ يفرض سلطته على الممارسة و التفكير و حتى الخيال ! و قد غفل أصحاب هذا التصور عن أن الفضيلة هي القاعدة الصلبة التي تحفظُ البناء من الانهيار ، و أن غيابها أو تغييبها يعني الانتظار على جرفٍ هار ! ، فحين تنعدم أو تتقلص ستتفشى أنماطٌ سيئة من السلوك تقومُ على إباحة الفرد لنفسه ما يشاء ، فلا رادع يمنعه عن الغش و الاحتيال و ممارسة الرذائل بكافة أشكالها ، و لا ريب بأن ذاك سينسحبُ على المجتمع ليصبح سمـَـتـََهُ التي لا تنفكُ عنه ، و بمقابل ارتفاع البنيان و تضخم الأموال و بروز أنماط من الرفاه و التمدن ثمة فراغٌ أخلاقي و قيمي كبير يفتك بكافة تفاصيل التعاظم المادي ! ، فزوال القيم المعنوية الإيمانية يعني انعدام قواعد و ركائز المجتمع المتحضر. إن الفضيلة التي تقلصت للأسف ، هي الحافزُ و الحافظ للمجتمعات ! ، فهي القيمة و الفكرة التي ينطلقُ منها الفرد للبناء و هي المعززةُ لتوهجه ، و هي التي تعملُ على توجيه سلوكه وفق قاعدة صلبة في هامشٍ متسعٍ تتعددُ فيه الوسائل و تتنوع الأشكال و هذا بالتأكيد لا يعني تحرر الوسائل من القاعدة. فالفضيلةُ هي الحافظ الأمين للفرد و المجتمع ، و إن اختلف المفكرون حولها فيما إذا كانت نسبية متغيرة أو مطلقة ثابتة فنحنُ سننطلق في تحديدها من التصور الإسلامي ، فنتفق أنها تلك القيم النابعة من العقيدة و الإيمان ، و يأتي القرآن الكريم مؤكداً على تواشج الفضيلة و البناء ، فلقد رسم لنا صورة الإنسان في أحسن حالاتهِ و أقومها و أكثرها إنتاجاً و عطاءً و إبداعاً حين ينطلقُ من قيمه الإيمانية و يضبط استعداداته و انفعالاته وفقها ، و يكون في أسوأ حالاته و أكثرها اختلالاً حين ينحرفُ عن تلكم القيم . إذن سنخلص إلى أن الخلل السلوكي الناتج عن خللٍ قيمي ما هو إلا مظهر تراجع و تخلف ، و متى ما تم تدارك هذا الخلل و ضبطه فإن مجتمعنا و بلا شك سيكونُ في أفضلِ حالاته و أكثرها عطاءً و تطوراً . يجب أن نعي و بقوة انعدام التعارض بين كفة الثقافة و العلم و التقنية و التطور و كفة عقيدتنا و مبادئنا و موروثاتنا الحميدة ، بل إن الكفة الثانية هي الخلفية الصلبة التي نتكئُ عليها و نقوى بها و نُبدع ، أما التنكر لها أو معاداتها هو الترنح بين ثقافة نجحدها و أخرى ترفضنا وحين ذاك يكون السقوط ! ملاك الخالدي

هناك تعليق واحد:

  1. النبيلة : ملاك الخالدي .
    السلام عليكم ... ثم :
    إنما يلتبس الأمر في صدر من حمل قلبًا لم يثق بنبضه ؛ فهو إما شاعر بالآخرين على حساب قيمه وذاته ، وإما شاعر بنفسه على حساب الآخرين بقيمهم ومبادئهم !
    ومتى ما ولد لدى المرء تباين ما بين جزئيات فكره ومكوناته فإن أداة أفعاله ستظهر للآخرين ما لم تشهد به الحقيقة من صفاء وصدق !
    ومشكلة فئة من المتسلقين على همم النبلاء العالية أنهم رأوا ما عند غيرهم ممن يمجدونهم فأخذوه دون تمحيص ، وحق الفكر على العاقل أن يتمهل قبل ابتداء الخطوة وابتدار الوسيلة .
    ومن تأنى وصدق مع نفسه بعد مولاه وقفت به همته على أعالي الزمان في مصاف القادرين ...
    والإنصاف خير السبل ... والوسائل صادقات النوايا ...
    تقديري ...

    ردحذف