الجمعة، 23 مارس 2012

المطر لا ينزل على الجوف !

لم يعد المطر يراود مدينتي وما عادتْ تفتحُ ذراعيها حين يفجؤها سحاب ، كأنه يشيحُ بوجهه حين يبصرُ الرمادَ في ملامحها، باتت باردة مثقلة بالجفافِ و الصمت، كيف استمرأت كل هذا الرماد و قد كانت الماطرة بالبياض رغم ملوحتها وانكفائها؟!
تشبه السماءَ بنقائها و قلب أمي ببساطته ، يشتمُ الدالف إليها رائحة الزيتون والأقحوان، ترتسمُ ابتسامة ربيع في كل عين وتمضي أغاريد فرح في كل قلب.
أحبَّها الجميع من تعالي نبضات الشوق في أهلها النائين عنها بحثاً عن جرعات ضوء ، نعم هي هكذا ، لكنها اليوم بلا مطر !
يكبرُ أهلها كأشجار النخيل ، ممتلئين صلابةً و سخاءَ ، يعيشون حتى بعد أن ينتزعهم الموت، إن الأرض تتمسك بظلالهم الموسوم على أضلاعها في النهارات القائظة ، فالشجيرات المنهكة و الهوام و الوجع تحتمي به، و حتى الأحجار الآسنة ، لذلك هم لا يموتون، فمن يمنح الحياة لا يموت .. هم هكذا أهلها لكنها اليوم بلا مطر !

تتسعُ للجميع ، ترويهم و تمسح على جباههم ثم ترسلهم ليكونوا كما هي ، لذا اختار البعض أن يرحلوا ، تُرى هل باتت تتسع لأجسادهم و تضيق بأحلامهم؟!
هي التي ملأتهم بالحياة قبل أن يختاروا أحلامهم الكبيرة ويرحلوا ، فلماذا هي الآن بلا مطر؟!
ناجيتُها يوماً : لماذا لم تكبري كي تتسعي لأمنياتهم و رؤاهم المتنامية؟! ، لا تتضخمي بالحديد والإسفلت بل تتمددي روحاً و فكراً يتسع لصراخ أفكارهم و طوفان الأمل و التمدد فيهم ، فها هو بعض النخيلِ رغم صلابته يذرف فسائل بملامح أخرى ، بعضها ضاقت به روح المكان ، يترقب السماء .. فلماذا لا مطر؟
لا تغادري بساطتك فتطغي و لا هدوءك فتغوي لكن تمددي و لملمي شظايا الأرواح والأفكار ، احتفي بها قبل أن يخاتلها الاحتضار.
حدثتني جدتي _رحمها الله_ عن فرحتهم آنذاك باندلاق المطر بغية الأعشاب الضئيلة التي يمسحون بها جوعهم و هزال دوابهم ، كانت قلوبهم تلح بوجل صادق لخالقها فكان يهمي ، يرويهم من نصب و يطعمهم من سغب ، لقد ترمّدت القلوب الآن فأصبح المطر ترفاً لا يرتجيه إلا أولئك الهائمون الذي يقولون ما لا يفعلون، أ لهذا ما عاد يهمي؟! ، القلوب الصادقة وحدها هي ما يستجلبُ ضروع الغياث .

بيضاء لا تنكدر و إن مازجها سواد قلب أو ضحالة ذهن أو ضيق نفس ، نقية تغتسلُ بزيت الزيتون كل صباح ، وادعة تحضنُ برفقٍ صغارها قبل أن تنام لكنها تضيق بهم حين يكبرون ، و تتغافل حين يتجبرون !
قبل أن يرحل أحد الذين كبروا كتبَ على جذع نخلة صلبة :
" كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينامْ
بأنّ أمّه التي أفاقَ منذ عامْ
فلم يجدْها ، ثم حين لجَّ في السؤالْ
قالوا له: "بعد غدٍ تعود"
لا بدّ أنْ تعود
مطرْ .. مطرْ .. مطرْ
أنشودةُ المطر "

ملاك الخالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق