الأربعاء، 22 فبراير 2012

نهاية المثقفين و أنصافهم

نهاية المثقفين و أنصافهم

سألتُ أستاذتي : لماذا لا يتخلص المفكر أو المثقف من نزعة "الأنا" حين يصل لدرجة عالية من المعرفة و الفكر؟!
فأجابت : لا يستطيع !

لماذا لم نعد نغادر كتاباً إلا و نخرج منه بأن كاتبه هو المناضل الفكري الأوحد و رائد الحراك الثقافي و منظّر الأفكار و عرّابها في زمانه! حتى أنك تحار لكثرة عدد منظري و رواد الفكرة الواحدة لدينا في العالم العربي، يجري هذا التمجيد للذات تصريحاً أو تعريضاً فيتشربه البعض أحيانا إلا أن القارئ الواعي يدرك تماما أن ثمة "أنا" متضخمة أخذت حيزاً أكبر فغابت حقائق أكثر .
ربما هي سنة سيئة ابتدأها مفكر اليونان الأشهر والأقدم أفلاطون الذي لم يغلب عقلُه نفسَه فقسّم الناس إلى أهل قوة عقلية _وهم أرفع الناس كما يزعم_ و أهل قوة جسدية و أهل حِرف يدوية و دعى لأن يكون الحاكم فيلسوفاً!

وامتدت هذه الأنا التاريخية العتيدة وامتلأ بها الكثير من المفكرين و المثقفين فجرت في نتاجاتهم ، ولعل المفكر المعاصر علي الوردي أفصح عنها بلا مواربة لكنه أكّد على ضرورة الصدمات والخيبات النفسية والاجتماعية التي تعيد المثقف أو المفكر إلى ماينبغي أن يكون عليه، يقول كنت أظنني مفكر زماني إلى أن ذهبت لعزاء فكانت هناك قاعتان، الأولى لكبار الشخصيات والأخرى لبقية الناس ، فلما رآني الخادم وجّهني للقاعة الثانية ، يضيف: مع أنني لا أقبل بمبدأ التقسيم الطبقي إلا أنني أميل له قلبياً فهذا الموقف كان درساً لي جعلني أفهم نفسي و أعرف قدرها! و يختم الحادثة بقوله: الإنسان بحاجة لمثل هذا الدرس ليتجنب الغرور والتعالي.

والأدهى أن تجد هذا الغرور العقلي لدى أنصاف المثقفين أو المنتفخين نفسياً، فإن كان أشد إيلاماً لدى المفكرين فإنه أشد فظاعة لدى أنصاف المثقفين ، فلقد هالني ما حدث قبل أيام حين رفضت إحداهن أن تحاور زميلاتها بشأن موضوع بحث ستشرع في إعداده لأنهن حسب زعمها لن يضفن لها شيئاً!
هذه النماذج المحبطة مبثوثة كل حين و كل ناحية وقد ازدادت الوتيرة المحمومة مؤخراً ، فكل من حاز على شهادة (حقيقية أو مكذوبة) أو كتب سطرين أو قرأ كتابين رأى في نفسه النجابة المتفردة و الثقافة المتمددة ، إلا أن رؤيته لنفسه لا تلبث أن تتوارى عند أي محك حقيقي .
و لا أدري هل هذا الاعتداد الذريع بالنفس نتاج تراكمات نسقية تاريخية؟! فهل رفضنا لأي اختلاف أو تباين حول أي شيء انسحب على أنفسنا التي أصبحت في نظرنا غير قابلة للتشكك و المراجعة والتحسين ؟!

يقال أن الإنسان اجتماعي بطبعه و لكن يبدو أنه "وثوقي" بنفسه !

ملاك الخالدي

هناك تعليق واحد:

  1. سلام وتحبة

    كلام منطقي
    وهذه آفة المجتمع و مرض يحمله الكثير ممن يصل إلى مستوى القمة في العلم أو في مجالات أخرى تظهرهم مميزين !
    لكني أرى ان هذا المرض هو أيضا مستفحل في العنصر الأنثوي .
    الله يكفينا شر الأنا

    شكرا لبوحة صفحتك

    ردحذف