الجمعة، 10 يوليو 2009

رائحة الطين

بسم الله الرحمن الرحيم

رائحة الطين

هناك تحت سعف النـُـخيلات الضامرات ، تحت نزف الشتاء و لفح الصيف ، بين جداول المياه و على بساط حصيرٍ كانت و مازالت تنسجُ الجمال و المرح في نسمات الهواء و الحياةُ تنسجُ خطوط الوهن على خديها !
تـُـغنـِّي و تهز رأسها رغم سبعينية ملامحها إلا أن الحياةَ تسكنها بقوة ، فتصفق و تنشد الشعر و تداعبنا بكلماتها الرطبة رغم امتعاض أمي الصامتةِ دوماً .
الشارع الترابي و المسفلت كلاهما يجيد الحديث مع خطواتها فالأول طريقها إلى المزرعة و الثاني إلى المسجد ، فإن غابت شعرتُ بسؤاليهما عنها ، أعرفُ أن خلف مرحها الدائم و غضبها الآني نهر مياه صافية نَـبـَـع من ذاكرةٍ مثخنةٍ بتفاصيل وعرةٍ قاسية .
فوفاة أشقائها بعد أحداثٍ مؤلمةٍ و هجران أبنائها لها بعد زواجهم و انتقالها للعيش معنا منذ رحيل زوجها كلها تفاصيل لا تكاد تظهر إلا في عينيها في لحظات صمت .
أحبُ جيوبها المنتفخة دوما و حين تدس في يدي الصغيرة قطعة حلوى أو علكة أو شيءٍ ما يمنح نفسي الرضا .
أثقلتها قدماها و تقلصت حركتها إلا أن الحياة بقيت تغردُ في عينيها الصامدتين ، تمادى الألم فعافت الطعام و انكفأت في فراشها ، حملتها بيديّ هاتين مع شقيقي إلى المستشفى .
بألم اقتربتُ إلى سريرها الأبيض ، نظرتُ إليها بقلبٍ حزينٍ مفجوع فابتسمتُ لكبريائها ، فتحتْ عينيها بصعوبة و منحتني ابتسامةً صادقة ، لقد كانت المرة الأخيرة التي رأيتُ فيها عيني جدتي و ابتسامتها ، بعد ذلك لم أعد أرى إلا أمي الباكية تضمُ ثوب جدتي و تزفر بحنين: أصبحتُ الآن يتيمةً !
ملاك الخالدي _ الجوف

هناك 3 تعليقات:

  1. هنيئا لجدة تفارق الحياة أمام ناظري أحبابها وابنائها فهناك من البشر من لايعبأ بوالديه فيموتون وأبنائهم بعيدين عنهم وغافلين بملذات الحياة .
    رحم الله جدتك برحمته وأسكنها فسيح جناته


    نضال

    ردحذف
  2. سرد مؤلم
    لاكنه يسحر

    سلمت أنفاسك
    سيدتي


    نزار

    ردحذف
  3. شكرا لكما

    بارك الله فيكما

    و كل عام و أنتم بخير

    ردحذف