الاثنين، 2 نوفمبر 2009

أكبر من الجرح

أكبر من الجرح


سيبتزون روحهُ ، سيعبثون بمشاعرهِ ، سيبعثرونَ بقايا أمله ، سيريقون دموعهُ المتوارية خلف تقاسيمه النقية ، أعرفهُ جيداً لن يمانع فيما لو طلبتِ منه مرافقتي ، إلا أن قلبه الزجاجي المضيء سيتهاوى حين يرمقهُ أحدهم بنظرة عطفٍ أو كلمةٍ داكنة! ، أرجوكِ يا أمي لا تخبريه بموعد حفل تخرجي ، لأجله .. لأجله هو فقط ! ، نظر إليها بعينين تكابران الدموع و دلف حجرته.
كانت تلكم الكلمات المغتسلة بالألم تمتدُ إلى أذنيه ، تنطرحُ داخله كعصفورٍ يحتضر أو كطوفانٍ كالح ، تشتعلُ الساعاتُ المظلمة في ذهنه و أمام عينيه ، تكاد تحرقه بعسفِ توهجها ، يحاول إخمادَ شررها بأريجٍ هادر من جنبات قلبه الذي ملّ الأنين ، يقاومُ في أحشائه دنف الحزن الذي يلتهمُ خلاياهُ و خفقاتهِ بشراهة.
يدفعُ بكرسيهِ المتحرك إلى حيثُ تلك الفرجة المربعة ، إنها أثيرته الوفية التي طالما منحت عينيه مصافحة وجه السماء ليتأمل تفاصيلها الزكية ، و يبثُ ربه شكواهُ بخضوع ، تلكَ الشرفة تهديهِ كل صباح ابتسامات الضوء و ابتهالات الهواء و أغاريد المطر ، و لطالما ابتلعتْ دموعه و أحزانهُ بصمت !
يضعُ يده النحيلة المرتجفة على قاعدتها ، يستجمعُ ما تبقى داخلهُ من أمل ، يبحثُ بتحفزٍ عن خيوط الإصرارِ في شرايينه ، تطفرُ من حنجرته نغمة حزن أشبهُ بنحيبٍ مـُـنهك ، يقفُ على ساقهِ الوحيدة متكئاً على تلكم الشرفة و طيوف الحياةِ تشرقُ داخله .
يسرجَ بصرهُ حيثُ السماء ، ترتسمُ في عينيه صفحة القمر ، ينبجس على محياه رضاً رزينٍ ، تتدحرجُ من شفتيه كلمات خافتة: تعيشُ وحيداً؟!
يصْرِفُ بصره مسترسلاً : أنتَ ترابٌ و أنا كائنٌ بشري تتنازعني الآمال و التطلعات ، يجري داخلي هديرٌ يافع يلهمني أناشيد الحياة و يبعثُ في دمائي ماء البقاء ، الانعزالُ هو الذبول الذي أرفضه ، ثمةَ قلب كبيرٌ داخلي سيسقي تضاريس الأرواح و الأرجاءِ حولي أجمل الأمنيات !
يمد إحدى يديه حيثُ كرسيه المتحرك ، يركن إليه بهدوء رغم قسوة الألم الصاخب في أحشائه.
ينتزع زهرةً من زجاجةٍ مكتظةٍ بالأغصان ، تنفتل جملة كأنها الربيع : لقد ملأتِ المكان عطراً و أنتِ بساقٍ واحدة ! ، يبتسم و يعيدها إلى حيثُ كانت كي تبث المكان أريجاً طاهراً .
هكذا هو مختلفٌ بقلبهِ و تفكيرهِ و روعته ، لذا لم تكن صباحاتهِ إلا بساتين ابتهاجٍ و أمل ، كبيرٌ هو برباطةِ جأشه و عطائه و روحهِ السامقة ، يمزق نظرات الشفقة و كلمات اللمز و التوهين و يذروها حيثُ الفناء ، يجمعُ الأنفاس المنعتقة من القلوب الطهورة في أعماقه كي تورق أفنان التحدي داخله .
يمنح الآخرين ابتسامات الفأل و يعلمهم دروساً في الشموخ ، لقد أخبر الجميع أنه أكبر من الجرح حين فاجأ أخاه ذات مساء : خذني معك لأشاطرك فرحتك ، فأنا أرفض الانكسار !

ملاك الخالدي _ الجوف

هناك تعليقان (2):

  1. رأيت هنا في هذا المكان الجميل متكأ لي

    موفقه عزيزتي دامت وسلِمت هذه الحروف الإبداعية الراقية جداً

    أختكِ
    أنين

    ردحذف
  2. أهلا بالغالية أنين الضمير

    حياكِ الله دوماً


    أسعد جداً برؤية حروفك

    ردحذف