الخميس، 24 نوفمبر 2011

أيها العام الراحل .. !

لا يمكنك أيها العام أن تغادر الذواكر* العربية المهيضة دون أن تشي لها بشيء من قصائد الأمل العتيقة و بعض دموعٍ و كثير من الأمنيات .
لا يمكنك أيها العام أن تغادر أرواحنا دون أن ترفدها أو تنتزع منها خيطاً جديداً يرسم ملامح جديدة و نبضاً جديداً و أشياء أخرى لا نعلمها!
لذا أجدك لم تغادرني حتى انثالت حروفي رغم صمتي الذي شرعت به و انتويته حتى حين !

لم أكن أدري أيها العام أن نفوس الناس هي ما يؤثر في حياتهم لا أفهامهم، فالأمر واحد إلا أن كل نفس تقرأه حسبما تشتهي بغض النظر عن رجاحة العقل أو ضحالته، و كم من نفسٍ صغيرة تفسدُ عقلاً وارفاً و كم من نفسٍ وارفة يفسدها عقل صغير !

لم أكن أدري أيها العام أن الإنسان يجب أن يعتاد الصمت كما تعلم الكلام ! و أن الأرواح و الأفكار و حتى الأمكنة ستكفر بنا إن لم نؤمن بها فإن لم نقل لها سمعاً فلنصمت في الأقل و هذا أضعف التبيان.

لم أكن أدري أيها العام أن مجرد إيماننا بوجود الله يكفي لأن نعيش سعداء فكل أحزاننا و مكابداتنا و تفاصيل لحظاتنا التي ترسمنا و نلونها سيحفظها الله لنا وسيأتي التعويض!
كفران هذه الفكرة أو نسيانها يعني انتهاء كل شيء فور انتهائه المحسوس بينما استحضارها يعني استمرار الأمل فلماذا لا نمسك بهذا الحبل الثمين ؟!

لم أكن أدري أن التثبيط هو نفسه التحفيز لكن بصيغة مؤلمة قد يحرضك على مزيد من الإرادة و الإبداع إن كنتَ أجمل روحاً وعقلاً ، يوماً قيل للإمام للذهبي "إن خطك كخط المحدّثين" و قال أحد معلمي الراحل عبد الوهاب المسيري له : "أنت عبقري" ، فأصبح الأول محدّثاً وألّف أكثر من ستٍ وثلاثين مجلداً في علم الجرح والتعديل بسبب ثناءٍ على خط، وأصبح الثاني مفكراً و ألّف موسوعته الشهيرة بسبب كلمة ، أما اليوم فلن تسمع إلا : اترك (خرابيطك) أو يكفي (فلسفة زايدة) أو شيئا من هذا !
فمن لا يثني على فكرة فليحذر من أن يكسر قلماً أو صوتاً!

و لم أكن أدري أيها العام أن الصور التي تغيب عنا تكبر داخلنا أكثر و أن ما نريد نسيانه يتشبث بنا أكثر ، غير أن ما لا نستشعره سيغدو أصغر !

ولقد بتُّ أيها العام أكثر يقيناً بأن المواقف واللحظات الصعبة في حياتنا ما هي إلا محكّات تهيئنا لمراحل أصعب .
و تعلمتُ أن النفوس ثلاث ، مُشفقة و جاهلة و مريضة ، الأولى أصاحبها في الدنيا معروفا و الثانية أحاورها بالتي هي أحسن و الثالثة أجتنبها حتى تشفى .
و قد بت أعي أكثر أننا حين ننزرع في أنفسنا بصدق و نتلمس إنسانيتنا بجسارة و نبصر بقلوبنا منافذ الضوء سنكون أجمل و أنبل !

ملاك الخالدي
طالبة ماجستير جامعة الملك سعود



*الذواكر : جمع ذاكرة .

هناك تعليق واحد: