الثلاثاء، 10 يناير 2012

صديقات الضوء!

بسم الله الرحمن الرحيم

إهداء: إلى جميع الطالبات الكفيفات في كل مكان مع كثير من الضوء والأمنيات!


صديقات الضوء

ملامحُ الفجر في المدن الكبيرة تتلاشى حين يغشى الضوء أرجاءها ، فتزفرُ جفافاً و ضجيجاً يبتلع الزوايا الوادعة .
الضوء في الأرجاء المكتظة بالازدحام و الاتساع ليس سوى ضوضاء و جفاف و سحنة داكنة لذا كان حبل ارتباطها به مهترئاً ، لم تقطعه لكنها لا تحتفي به .
هو وسيلة لتدرك الأمور كما هي حسبما كانت تعتقد حتى أتى التاسع من الشهر العاشر في السنة المنصرمة فغيّر الكثير من ظنونها !

كان الضوء في تلك الظهيرة لاسعاً فكانت الأبدان تتقيه بالظلال الموارب هنا و هناك، حيثُ تحاول الطالبات المتناثرات في مساحات الجامعة الشاسعة حجبه بمظلات ملونة أو نظارات سوداء أو حتى الاستتار بالكتب لحين الوصول للمبنى المراد بين المباني المترامية داخل السور الجامعي الكبير.
مضت عجلى تتقي حرارة الضوء بأوراق تحملها حتى انتزعت إحدى المارات يدَها بحركة مباغتة مُلقيةً بتساؤلها: وين مبنى"17"؟
أزعجها التصرف الغريب الذي أضاف للجو القائظ مزيداً من الضجر فأجابت وهي تشير لمبنى غير بعيد: هناك .. اقرئي مكتوب عليه "17"!
فجاء الرد متردداً: طيب شكراً .
بدأ ضجرها يقل و هي تبصر تلك الفتاة السائلة تمشي بحذرٍ شديد ، تمد يديها إلى الأمام حيناً وتتعثر حيناً آخر ، لقد تلاشى ضجرها وابتدأ شعور آخر يتفاقم حين أدركت أن السائلة كفيفة! ، أسرعت نحوها وأمسكت بيدها إلى مبنى "17" وهي تقول بصوت خافت: أعتذر!
حينها اندلق فصلٌ جديد مع صديقة جديدة من عالم جديد ، ككل الحكايا الاستثنائية التي تبتدئ بلحظاتٍ مُفاجئة.

السؤالات الكثيرة حول استشعار جمال الأشياء كانت تدب في روحها كلما جمعتها لحظات عابرة أو مقصودة مع صديقتها الكفيفة أو كما تحب أن تسميها "صديقة الضوء"!
لذا كانت تبحث دوماً عن صديقة الضوء التي لم تسرج لأذنيها زفرات شكوى أو جرعة تعاسة، إنما هي نافذة بهجة مُشرعة تتحدث عن روعة الجو رغم حدّته و جمال الحياة رغم كدرها ، تصف الضوء والمطر وهي لم ترهما! ، تملأ أوقاتها في مساعدة مثيلاتها المستجدات على إتقان طريقة برايل .

فتتساءل دوماً في نفسها: هل هؤلاء يستشعرون الضوء بقلوبهم و نحن نبصره بأعيننا؟! ثم تمضي في حديث نفسها: إنها أصغر من أن تعاني لكنها أعظم من أن تسرج حروف الشكاية أو أن تلوث لحظاتها بالتحسّر .
و في لحظة مباغتة _كتلك الأولى_ التفت إليها صديقة الضوء وهي تقول:
الشعور بالسعادة واحد إلا أن الوصول إليه متباين و نحن من يقرر الوصول من عدمه ، كذلك هو الضوء حين ينثال من قرص الشمس يصل الجميع إلا أن القلة يصلون إليه!

ملاك الخالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق